محمد الأشهب
جدل الانتخابات في المغرب ليس جديداً. وفي كل مرة يسود الاعتقاد أن البلاد في طريقها الى الخلاص من العيوب، تطفو على السطح ظواهر سلبية، وتتحول الانتقادات ضد استخدام المال إلى اتهامات سياسية. المفارقة أنه لدى نشر قوائم بأسماء متورطين في شبهات فساد انتخابي، تعالت ردود الفعل التي اعتبرت العملية ذات خلفيات غير سليمة.
من جهة لأن نشر القوائم سبقته مواجهة مفتوحة بين حزب الاستقلال ووزارة الداخلية، اعتبرت تصعيداً ينذر بتداعيات سياسية، بخاصة في ضوء تلويح الحزب بالانسحاب من المعارضة ودعم حكومة عبد الإله بن كيران التي كان دخل معها في صراع. ومن جهة ثانية لأن حليفه في المعارضة «الاتحاد الاشتراكي» قال إن التجربة تعيد البلد إلى ماضي الانتهاكات الديموقراطية.
بصرف النظر عن النقاش القانوني الذي شكك في صلاحيات وزارة الداخلية في نشر هذه القوائم، على أساس أن توجيه الاتهام من اختصاص القضاء، فإن توقيت العملية عشية انتخاب رئيس مجلس المستشارين لم يترك المجال أمام اعتبارها «انتقائية»، لأن حزب الاستقلال المعارض الذي حاز الصدارة في الاقتراع في طريقه لأن يتدحرج إلى مستوى أدنى. فيما «العدالة والتنمية» قد يفقد حق تشكيل كتلة نيابية. لكن وضع الإسلاميين يبدو مختلفاً. فرئيس الحكومة بن كيران رعى العملية الانتخابية سياسياً، وأي انزعاج حيال نشر القوائم التي ضمت مستشارين منتسبين إليه، سيكون بمثابة مغامرة. سيما أن المعارضين رموا الكرة في شباك الداخلية وليس رئاسة الحكومة، في تطور لا يخلو من دلالات إزاء احتمالات اعادة النظر في خريطة التحالفات الراهنة.
في الشكل ارتدت العملية طابعاً مثيراً، كونها ركزت على نتائج اقتراع الغرفة الثانية في البرلمان. ولم تشمل باقي العمليات في انتخابات البلديات والجهات بنفس الحزم. وبدا أنها أقرب إلى إحالة مسبقة الى ما يمكن أن تعرفه الاستحقاقات الاشتراعية العام القادم. والمفارقة أنه في اشتراعيات 2011 حاز حزب «العدالة والتنمية» على الصدارة، ما أهله لتشكيل حكومة يرأسها زعيمه عبد الإله بن كيران، ولم يحدث شيء من هذا القبيل.
هل لأن ظروف البلاد في العام 2011 لم تكن تسمح بتصعيد المواجهة بين الفرقاء الحزبيين، أم أن انتخابات مجلس المستشارين اختلفت في سياقها ونتائجها عن الاقتراع السابق؟ في أي حال فإن سجل البلاد يؤكد أن المسألة الديموقراطية كانت محور كل الصراعات. ولا تعني العودة إلى نفس القاموس والانتقادات سوى أن هناك خيبة أمل مسوغة أو غير مبررة.
وحتى عند افتراض أن مصدر الخيبة سببه تراجع نفوذ أحزاب تقليدية، فإن انفتاح المعارضة على حزب «الأصالة والمعاصرة» تلغي فكرة رفض التعايش معه. ما يفسر تركيز الانتقادات على أداء الداخلية أكثر من غيرها. ومهما كانت نتيجة انتخاب رئيس مجلس المستشارين، فإن التحالف الذي كان قائماً بين مكونات المعارضة لن يعود إلى وضعه السابق.
في الاشتراعيات السابقة، تقبل خصوم ومنافسو الحزب الإسلامي النتائج واضطروا للتعايش معها. بل إن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي اللذين أزيحا بدرجات متفاوتة من مراكز نفوذهما، منذ تجربة التناوب الوفاقي، سارعا إلى الإقرار بالمعطى الجديد على الخريطة الحزبية. إلا أنهما بخلاف ذلك شرعا في تعداد عيوب التجربة الراهنة بعد انتخاب مجلس المستشارين. وأضيف إليه «التقدم والاشتراكية» الذي لم يمنعه موقعه في الائتلاف الحكومي من طلب إلغاء الغرفة الثانية أساساً، بمبرر أن الاستخدام المفرط للمال أثر في نزاهتها.
بين الإقرار بالشوائب السلبية ومناهضة الأسلوب الذي كرسته الداخلية عبر نشر قوائم المتورطين، تكمن مفارقة غريبة. ان الأبعاد السياسية في الاتهامات المتبادلة تشير إلى أن المسألة أكبر من عرض قوائم وتوجيه انتقادات. فالأمر يتعلق في جوهره باتهامات سياسية تتدثر برداءات متعددة. وإنه لأمر يدعو إلى التأمل أن يتقبل الفرقاء السياسيون صدارة «العدالة والتنمية» ولا يفعلون ذلك تجاه حزب آخر.