الأزمة بين المغرب والسويد

الأزمة بين المغرب والسويد

المغرب اليوم -

الأزمة بين المغرب والسويد

محمد الأشهب

هل كان القرار الذي اتخذه المغرب بتوسيع اتفاق الصيد الساحلي ليشمل الاتحاد الأوروبي قراراً خاطئاً، بعد أن كان هذا الاتفاق ثنائياً بين الرباط ومدريد؟ وهل ينسحب الموقف ذاته على تشدده في مقايضة الأوروبيين بحماية ثروته البحرية من الانقراض؟ في أي حال، فقد فتحت أشواط المفاوضات بين الرباط وبروكسيل أبواباً موصدة، لا يمكن وضع الأزمة السياسية الناشئة بين المغرب وحكومة السويد التي تلوح بالاعتراف بـ «الجمهورية الصحراوية» خارج مضاعفات اتفاقات المصالح.
إذا كان مفهوماً أن السويد تعارض تجديد الاتفاق في كل مرة يحين أوانه، فمن غير المستساغ أن تتجه المعارضة إلى محاولات حظر المنتوجات الزراعية والألبسة الموجهة من المغرب إلى الاستهلاك الأوروبي، كونها ذات أبعاد اقتصادية وتجارية، تندرج في صلب خيار الشراكة الذي تطور إلى منح الرباط صفة الشريك المفضل للاتحاد الأوروبي.
المثير أن العلاقات المغربية – الأوروبية اتسمت بقدر أكبر من الاحترام والتقدير المتبادل، قبل التوصل إلى إبرام اتفاق الشراكة الاقتصادية الذي لا يخلو من بواعث سياسية. وفيما كانت الرباط تعول على فتح آفاق جديدة في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، اندلعت أزمات متعددة الطرف. فقد طالب البرلمان الأوروبي بتعليق اتفاق الصيد الساحلي، ثم انبرت حكومات أوروبية، في مقدمها إسبانيا والبرتغال وفرنسا تضغط من أجل تيسير سريان مفعول الاتفاق الذي تعتبره مكسباً تجارياً.
على رغم ارتباطه بإتاحة الصيد للبواخر الأوروبية في سواحل المحافظات الصحراوية، منذ ضمها من طرف المغرب في العام 1975، حرص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على تأكيد أن الموقف الأوروبي يشكل عنصراً مساعداً في الاستقرار. بينما أعلن الملك محمد السادس أن بلاده ترفض «أي مغامرة غير مسؤولة» لناحية الابتعاد عن جوهر قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بنزاع الصحراء. وجاء هذا التصريح عقب اندلاع الأزمة بين حكومتي المغرب والسويد التي هددت بالاعتراف بـ «الجمهورية الصحراوية» المعلنة من طرف واحد. في إشارة إلى أن الخروج عن مرجعية قرارات مجلس الأمن، يدفع المنطقة إلى المجهول ويشكل خطراً على استقرارها. وسواء أفلحت جهود الحوار بين الرباط وستوكهولم في احتواء الأزمة أم بقيت الأمور عالقة، فإن استمرار طول أمد نزاع الصحراء بات يحتم تسريع إجراءات التسوية السلمية، من جهة لأن المأزق الذي تجتازه جهود المنظمة الدولية لا يساعد في استيعاب المخاطر المحتملة، خاصة أن بان كي مون قال أن عدم تسريع الحل يضع المنطقة على فوهة مخاطر وتهديدات أمنية محتملة، نتيجة استشراء اليأس وعدم الاهتداء إلى مخرج وفاقي من نفق العتمة. ومن جهة ثانية لأن منطقة الشمال الأفريقي لا تحتمل مضاعفات انهيار التوازن القائم.
بالكاد توصل فرقاء النزاع إلى اتفاق وقف إطلاق النار مطلع العام 1991. ولئن كان من إيجابيات تعاطي الأمم المتحدة مع التوتر الإقليمي أنها تمكنت من إسكات هدير الطائرات وقصف المدافع، فإن مرور ربع قرن على سريان الاتفاق لم يرافقه تطور سياسي في مستوى الرغبة والقدرة على احتواء النزاع المنسي، نتيجة تباين المواقف حيال الوصفة السحرية التي يرغب فيها كل طرف.
أياً كانت الخلفيات التي تحرك حكومة السويد المقيدة بالتزامات مكوناتها اليسارية داخل البرلمان، أو تلك التي تدفع الاتحاد الأفريقي إلى الضغط على الأمم المتحدة، فإن مرجعية الحل السياسي تظل أقرب إلى الواقعية والعقلانية والرؤية الوجيهة كونها تستند إلى مبدأ المفاوضات والمنهجية الوفاقية لإقرار حل لا يصبح نافذاً إلا في ظل موافقة الأطراف كافة. ولئن كان الموفد الدولي كريستوفر روس في طريقه لأن يرفع الراية البيضاء، في حال تعذر جهود الذهاب إلى مفاوضات غير مشروطة، فإن التعاطي مع التوتر الإقليمي يظل في حاجة إلى أرضية جديدة تمكن من انطلاقة جيدة.
لقد دلت التجارب على أن الحلول القابلة للاستدامة والإنصاف، تكمن على أرض الواقع. وما لم تحدث مبادرات خلاقة لإزالة الضباب الذي يعتري العلاقات بين دول الشمال الأفريقي يبقى من المستبعد إقرار أي حل عملي للنزاع. تلك هي المشكلة ولا يمكن حلّ إفرازاتها من دون ترتيبات جديدة لعلاقات أقرب إلى التدهور منها إلى الانفراج.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة بين المغرب والسويد الأزمة بين المغرب والسويد



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib