استمالة الناخبين

استمالة الناخبين

المغرب اليوم -

استمالة الناخبين

محمد الأشهب

رسخت الانتخابات المحلية في المغرب قناعة، مفادها أن تزايد أعداد الأحزاب المتنافسة لا يضع حقائق جديدة على الأرض، وأكثر ما يحققه تشتيت الأصوات. ولا يزال اللاعبون الأساسيون في المشهد هم أنفسهم منذ نحو عقدين، باستثناء ظهور «العدالة والتنمية» كالمحور الأكثر استقطاباً لميول الناخبين، في مقابل تهاوي نفوذ أحزاب كانت إلى عهد قريب تتحكم في إيقاع حركة المواجهة، لكنها فقدت زمام المبادرة جراء انتقالها إلى الواجهة الحكومية، وحين عادت إلى صفوف المعارضة وجدت نفسها مثقلة بركام التجربة وأنواع الشروخ التي أصابت بعضها في مقتل. بمعنى آخر ليس كل تدبير حكومي مآله النفور والتصويت العقابي، أو هكذا على الأقل تبدو الصورة في التجربة المغربية الراهنة.

ولم يؤثر وجود «العدالة والتنمية» في موقع قيادة السلطة التنفيذية في تراجع نفوذه، وصار في الإمكان توقع أن مؤشرات الانتخابات المحلية في طريقها لأن تنسحب على اشتراعيات السنة المقبلة. ما يعني أن اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة، لا ينجم عنه بالضرورة تململ التجربة. أقله أن خطاب الحزب الحاكم لامس مكامن الاختلالات في البنيات الاقتصادية والاجتماعية، وصارح الرأي العام بأن استمرار سياسة النعامة ستقود إلى المزيد من الإفلاس.
لكن المشكل في جوهره لا يطاول مضمون الخطاب الذي يبعد عن تسويق الصورة الوردية التي تخفي قتامة من تحت السجاد، بل القدرة على الإقناع بأن التعاطي ومجمل التحديات لا يحتمل الإرجاء. وفي الإمكان استيعابها بقرارات قاسية، بدل تركها تزيد استفحالاً في الآتي من الزمن. ولئن كان الاستقرار يبدو مغرياً قياساً إلى مقاربة الأوضاع بما يحدث في مناطق أخرى، فإن الإفادة منها عبر استلهام علاج الصدمة أفضل من اللجوء إلى غيرها.

هكذا خطاب ليس جديداً، ففي تجارب سابقة انبرت السلطة السياسية لدق أجراس الإنذار إزاء استمرار سياسة دعم المواد الاستهلاكية، بما فيها الغذائية وأسعار المحروقات واستنزاف الموازنة في قطاع التعليم العام، إلى غير ذلك من التنبيهات التي اتخذت من تشخيص المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، ومن واقع التفاوت القائم بين الفئات والمجالات مدخلاً لإبراز المخاطر المتوقعة. ولعل ما كان يعوزها أن المشهد السياسي كان يعتريه المؤاخذات في تدبير اللحظة الانتخابية. وما حدث أن القطع مع ممارسات تزييف الانتخابات جرى لفائدة الإسلاميين، على رغم أن بعض أحزاب المعارضة، مثل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، واجها أساليب تزوير الإرادة بقوة وثبات، ولم يدر في الخلد أن النزاهة الخجولة التي يفسدها استخدام المال لاستمالة الناخبين المحتاجين سترجح كفة حزب اسمه «العدالة والتنمية» خرج من رحم الواقع، لكنه اختار معالجات سياسية ولم يستلزم نزعات دينية وأخلاقية، وإن كان من غير المستبعد أن يكون لتوجيه الصراع بخلفيات غير سياسية مداه في التأثير على الناخبين.

لا تتأثر استقراءات النتائج بالمراتب دائماً، بدليل أن حيازة «الأصالة والمعاصرة» و»الاستقلال» الموقع الأول والثاني لم تغط عن القفزة النوعية لصاحب الرتبة الثالثة، ليس لأنه انتقل من 1500 مقعد في آخر استحقاق سابق محلي إلى أكثر من خمسة آلاف، ولكن لأن هذا التطور يعاود استحضار مساره في الاشتراعيات الذي بدأ بأقل من عشرة نواب ليصل إلى أكثر من مئة في ظرف أقل من عقدين. وبالتالي يصبح لمنهجية الاعتدال والواقعية التي يتبناها، على خلاف تجارب إخوانه في المرجعية في بلدان أخرى، أثره البالغ في التطبيع الإيجابي مع خطابه.

لا يعتبر «العدالة والتنمية» نفسه بديلاً لكل الأطياف الحزبية، فهو جزء منها، وكل ما فعله أنه استفاد أكثر من ثغرات خصومه. بخاصة تلك التي دخلت معه في مواجهة مباشرة، من أجل الإقصاء. وإذا كان ليس لأي حزب أن يلوح بنفاذ صلاحيات خصم سياسي آخر، فإن مشاركة نحو ثلاثين حزباً في اقتراع الرابع من أيلول (سبتمبر) الجاري أبانت أن الإقصاء الحقيقي بيد الناخبين وليس سواهم. وما كان منطق العدميات وشطب الخصوم برنامجاً سياسياً، لكن الأخطاء التي تصنع الأحداث مكنت إسلاميي «العدالة والتنمية» من التقاط برنامج سياسي ساعد في استمالة الرأي العام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استمالة الناخبين استمالة الناخبين



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib