بقلم : أمينة خيري
السياسة ليست نظريات علوم سياسية ندرسها فى الكليات الجامعية، ونمضى سنوات وعقودًا فى دراسة قضاياها وظواهرها وتحولاتها، فقط. والسياسة ليست موهبة فهم علاقات دول العالم وموازنات القوة وسبل التفاوض والنقاش، فقط. كما أنها ليست معرفة عميقة بالدولة ومكانتها ومتطلباتها ونقاط قوتها وضعفها، فقط. وهى ليست إلمامًا بما يجرى من علاقات واحتقانات وتكاملات بين فئات الشعب المختلفة، فقط. والسياسة ليست اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية واجتماعية حتمية وضرورية، فقط. إنها كل ما سبق، فى الوقت المناسب. مقومات السياسة الناجحة والسياسى الحاذق لا تكتمل دون رتوش هى فى السياسة على القدر نفسه من الأهمية مثلها مثل المفاوضات الدولية، والاتفاقات العالمية، والقرارات المحلية، وقدرات البناء والتشييد والتدبير والتنسيق وغيرها.
وبين رتوش السياسة المفردات المستخدمة فى مخاطبة الناس، ونبرة الصوت، ولغة الجسد، وكذلك توقيت القرارات. فرق كبير بين القرار السياسى أو الاقتصادى الخاطئ، وبين القرار السياسى أو الاقتصادى الجيد والصائب الذى يضل طريقه بسبب التوقيت أو المفردات المستخدمة فى نصه.
قرأت مقالًا فى دورية «الديمقراطية الممثِلة»، الصادرة فى الربع الأول من العام الحالى، عنوانه «هل تتخذ الحكومات دائمًا قرارات غير شعبية عن علم؟. كيف يؤثر عدم الدقة الإدراكية على قرارات السياسات؟»، وجاء فى المقال أنه كثيرًا ما يعود فشل الحكومات إلى طريقة استجابتها لتفضيلات الناخبين (المواطنين)، وأن الكثير من الحكومات حين تتخذ قرارات تعطى أولوية لسياساتها المتصورة، التى تضعها فى مكانة الأولوية قبل الأهداف الانتخابية. ويمضى المقال قدمًا، ويشير إلى أن الأدلة المتزايدة من تقييم قرارات تصدرها حكومات كثيرة فى دول العالم تؤكد أن الكثيرين من صناع القرار ضعيفون فى تقدير الرأى العام.
ويطرح المقال سؤالًا بسيطًا، لكن بالغ الأهمية، وهو: هل يمكن تفسير فشل الحكومات فى ضوء فشلها فى توقع مقدار عدم شعبية قراراتها، أو عدم عقلانية أو منطقية توقيت اتخاذ هذه القرارات؟!.
يتطرق المقال إلى عدد من القرارات الخاطئة، سواء من حيث المحتوى أو التوقيت أو كليهما، والتى اتخذتها حكومات فى بريطانيا، ويدرس كلفة اتخاذها، وأثر ذلك القاتل على مستقبل هذه الحكومات فى الانتخابات التالية. بمعنى آخر، القرارات الخاطئة، حتى لو كانت صائبة لكن صادرة فى توقيت غير مناسب أدت إلى عقاب الناخبين للحكومة فى أقرب انتخابات، فى بريطانيا. يهمس البعض قائلًا: وماذا عن الحكومات التى تتخذ قرارات خاطئة، أو فى توقيتات غير مناسبة، وهى تضمن أن «الناخب» لن يعاقبها؟.
هذا وارد بالطبع، لكن العقاب لا يكون عبر الانتخابات فقط، ولكنه يأتى فى صور مختلفة، وأرى أن أهمها وأخطرها هو «عدم الرضا». وحين يتراكم عدم الرضا، يبدو للبعض أنه اتبع مبدأ «عفا الله عما سلف»، لكنه غالبًا يتراكم معرضًا عوامل أخرى للخطر. وهناك مخزون علمى وعملى وافر لعلماء اجتماع ونفس واجتماع سياسى يخبرنا الكثير عن الآثار الاجتماعية لعدم الرضا، لمَن أراد أن يطّلع أو يمضى وقته فى قراءة مفيدة.