بقلم : أمينة خيري
من أروع ما رأيت. هذا رأيى فى حفل افتتاح أوليمبياد باريس. لو أنت من محترفى عقد المقارنات بين هذا الافتتاح وذاك، فلن يعجبك الافتتاح، أو فلنقل لن تترك لنفسك الفرصة لتشاهد بعين الباحث عن الاستمتاع. ولو أنت من معتنقى مذهب «أنا الأفضل»، فستفسد على نفسك متعة المشاهدة لأنك ستضع تاريخك وجغرافيتك وثقافتك على شاشة موازية لشاشة المشاهدة.
ولو أنت مَن يرى أن على سكان المجرة والمجرات المجاورة أن يلتزموا بما تؤمن به، وإلا فستحرمهم من شرف المتابعة، فلن ترى فى الافتتاح سوى ما يعكنن عليك تمامًا. ولو أنت ممن سلموا أنفسهم للفخاخ، التى نصبها خبراء «فيسبوك» ومحللو «إكس» وعلماء «تيك توك» وخوابير الـ«سوشيال ميديا» بشكل عام، فسيضيق صدرك بحفل الافتتاح، وتنتظر خبراءك المفضلين ليهبدوا ويرزعوا فى تحليل تفاصيل الحفل، بديلًا عن متابعة الحفل بنفسك لتكون رأيك بشكل مستقل. وعلى سيرة الاستقلال، إذا كنت ممن لا يخطون خطوة دون أن يسألوا «الراعى الرسمى» لحياتك عما يجب أن تحب أو تكره، فأغلب الظن أنك تنتظر خطاب الموافقة قبل أن تشاهد أو لا تشاهد. وأعود إلى الحفل.
رأيى أنه لم يترك دقيقة ملل، أو يسمح بثغرة عشوائية. تكريم مسيرة رياضيين سابقين ومعتزلين، عاملات وعمال صنعوا وشيدوا وصمموا ما رأيناه بالأمس، نساء عالِمات وباحثات صنعن التاريخ، أدبًا وروايات وموسيقى حفرت لنفسها مكانة فى ذاكرة البشرية. حاضر يفرض نفسه بمعايير أجيال جديدة فى الرقص والغناء والملابس، معالم فرنسا المميزة وتركيبة مجتمعها الفريدة، (اتفقنا أو اختلفنا معها، إذ لن يُجبرك أحد على اتباع قواعدها، حيث لكم مجتمعكم ولى مجتمع)، أفكار فريدة ليست استنساخًا أو تكرارًا أو إعادة تدوير أو اكتفاء بصفحة واحدة من صفحات التاريخ، عرض واستعراض لنقاط الجذب السياحى والثقافى الفرنسية دون جمود أو وعظ وإرشاد أو اعتبار إرثها الثقافى أمرًا مفروغًا منه، والقائمة تطول. والأهم من كل ما سبق أن حفل الافتتاح تغلب على الأعمال التخريبية فى السكك الحديدية، وكذلك على الأمطار التى رخّت حرفيًّا على رؤوس الجميع. أفضل عشرة آلاف و٥٠٠ رياضى ورياضية من بين ثمانية مليار إنسان على وجه الأرض متواجدون فى باريس.
وهنا أُذكر نفسى وإياكم بأن من بين الـ١٠.٥٠٠ رياضى الأفضل فى العالم، سيحصل ٥٠٨٤ رياضيًّا ورياضية على ميداليات، والباقون سيظلون الأفضل فى العالم لينضم إليهم المزيد، وهلم جرا. تقطيع غير الحاصلين على ميداليات يحتاج مراجعة. رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، توماس باخ، قال للرياضيين، فى كلمته فى الافتتاح: «هذه هى ذروة رحلتكم الأوليمبية. أتيتم إلى باريس كرياضيين. الآن أنتم أوليمبيون». الميداليات رائعة بالطبع، لكن المشاركة فى الحدث الرياضى الأهم فى العالم رائعة أيضًا. ولخبراء التنظير العنكبوتى، الذين يؤكدون أن الفساد والمحسوبية والمحاباة تتدخل فى اختيار اللاعبين، أقول لهم: راجِعوا شروط ومعايير وسبل التأهل للألعاب الأوليمبية.