بقلم - أمينة خيري
دورة الحياة مثيرة جدًا، ومتابعتها والتمعن فى تفاصيلها أمرٌ ممتع ويلقى ضوءًا على نظام الكون الجبار.
مازلت أذكر ما كانت تذكره معلمة العلوم فى المرحلة الابتدائية عن دورات الحياة بطرق مبسطة، ومنها النبات الذى ينمو فيأكل الأرنب منه، ثم يأتى الأسد ليأكل الأرنب، وإذ بحيوانات أصغر وزواحف وحشرات تأكل من بواقى طعام الأسد.. وهلم جرا. وأتذكر شروح السلسلة الغذائية، حيث المستوى الأول والكائنات الحياة التى تسمى «منتجين»، مثل الطحالب والعوالق النباتية التى تصنع غذاءها بنفسها عبر البناء الضوئى وتحوله لطاقة كيميائية، والمستوى الثانى حيث المستهلكون الأساسيون؛ أى الكائنات التى تتغذى على المنتجين مثل الأرانب التى تأكل العشب، والطيور والحشرات آكلة الغطاء النباتى، ثم المستوى الثالث حيث المستهلكون الثانويون مثل الثعالب والثعابين التى تتغذى بدورها على المستهلكين الأساسيين. وفى المستوى الرابع، تتغذى كائنات مثل الذئاب والصقور على المستهلكين الثانويين. إنه أمر بديع حقًا..
لسببٍ ما تذكرتُ سلاسل الطعام هذه التى تُبقِى على الكوكب حيًا يرزق، ولو كان رزق البعض يأتى «على قفا» البعض الآخر، ولكنه يظل رزقًا منظمًا متواترًا مدروسًا ومخططًا، وذلك أثناء وجودى فى منطقة خان الخليلى البديعة قبل أيام. زرت هذه المنطقة السياحية التى أعتبرها «ترمومتر» بالغ الأهمية من ترمومترات المجتمع المصرى. والميزة فى ترمومتر خان الخليلى أنه لا يقيس فقط حرارة السياحة، لكنه يقيس كذلك حرارة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والأمنية فى منظومة كاملة متكاملة. وكم كانت سعادتى بالغة وأنا «محشورة» وسط جموع من السياح من شتى بقاع الأرض.. اللهم دمها نعمة واحفظها من الزوال.. والحقيقة أن السعادة لم تكن بأعداد السياح فقط (اللهم بارك)، ولكن لمست تغيرًا إيجابيًا فى تعامل أصحاب المحال والبازارات والعاملين فيها مع السياح. آخر مرة زرت فيها المنطقة أصبت باكتئاب وغضب كبيرين؛ لفرط التطفل بشتى أشكاله وأنواعه، وهو التطفل الذى لا يدرى صاحبه أثره المميت على قطاع السياحة برمته. يعتقد المتطفل أنه لطيف خفيف ظريف، أو أنه «يسترزق»، لكنه فى الواقع يقطع عيشه وعيش من حوله دون أن يدرى. هناك تغير إيجابى دون شك، وهذا التغير انعكس بشكل واضح على الجو العام فى الخان وعلى وجوه السياح المرتاحة والسعيدة. وأعود إلى مسألة سلاسل الغذاء وعلاقتها بالخان.. فعلى هامش الزيارة، لا يسعنى سوى متابعة عمل هذه السلسلة بشكل يدعو للاندهاش. المندوب، وليس المرشد السياحى، المصاحب للفوج بـ«بيزنس» على مستوى ضيق، يتفق مع صاحب محل الفضة على بيع الخرطوش الفرعونى لسائحتين بسعر كذا، على أن «يطلع من البيعة» بمائة جنيه.. بائع الهدايا التذكارية يؤكد للسائح أنه سيحصل على تخفيض 30 فى المائة، حال دفعَ بالدولار أو اليورو. أعلم أن هذا النوع من «بيزنس سلسلة الطعام» معروف منذ عقود، ولكن السلسلة متسعة وبات فيها الكثير من الابتكار.