بقلم : مشعل السديري
لما قَدِمَ عقيل بن أبي طالب على معاوية، أكرمه وقرَّبه وقضى حوائجه وقضى عنه دينه، وبعد مدّة دخل عقيل على معاوية وقد كُفَّ بصره، فأجلسه معاوية على سريره ثم قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم، قال: وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم. ودخل عتبة بن أبي سفيان، فوسَّع له معاوية بينه وبين عقيل فجلس بينهما، فقال عقيل: من هذا الذي أجلس أمير المؤمنين بيني وبينه؟ قال: أخوك وابن عمك عتبة.
أما إنه إن كان أقرب إليك منِّي، إني لأقرب لرسول الله (صلّى الله عليه وسلم) منك ومنه، وأنتما مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أرض ونحن سماء، قال عتبة: أبا يزيد، أنت كما وصفت، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوق ما ذكرت، وأمير المؤمنين عالم بحقك، ولك عندنا مما تحب أكثر مما لنا عندك مما تكره.
ودخل عقيل على معاوية فقال لأصحابه: هذا عقيل عمه أبو لهب، قال له عقيل: وهذا معاوية عمته حمّالة الحطب.
ويقال إن امرأة عقيل وهي بنت عتبة بن ربيعة خالة معاوية قالت لعقيل: يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبداً، أين إبي؟ أين أخي؟ أين عمي؟ كأن أعناقهم أباريق فضة، قال عقيل: إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك.
قال معاوية يوماً وعنده ابن عباس، يريد أن يختبره: إذا جاءت بنو هاشم بقديمها وحديثها، وجاءت بنو أمية بأحلامها وسياستها، وبنو أسد بن عبد العزى برفادتها ودياتها، وبنو عبد الدار بحجابتها ولوائها، وبنو مخزوم بأموالها وأفعالها، وبنو تيم بصدّيقها وجوادها، وبنو عدي بفاروقها ومتفكّرها، وبنو سهم بآرائها ودهائها، وبنو جمح بشرفها وأنوفها، وبنو عامر بن لؤي بفارسها وقريعها، فمن ذا يجلي في مضمارها ويجري إلى غايتها؟ ما تقول يا ابن عباس؟
قال: أقول: ليس حي يفخرون بأمر إلا وإلى جنبهم من يشركهم، إلا قريشاً فإنهم يفخرون بالنبوءة التي لا يشاركون فيها ولا يساوون بها ولا يدفعون عنها، وأشهد أن الله لم يجعل محمداً من قريش إلا وقريش خير البرية، ولم يجعله في بني عبد المطلب إلا وهم خير بني هاشم، يريد أن يفخر عليكم إلا بما تفخرون به، إن بنا فتح الأمر وبنا يختم، ولك ملك معجّل ولنا ملك مؤجَّل، فإن يكن ملككم قبل ملكنا فليس بعد ملكنا ملك، لأنّا أهل العاقبة، والعاقبة للمتقين.