فلسطين من قضية وطن إلى خبر في وسائل الإعلام

فلسطين من قضية وطن إلى خبر في وسائل الإعلام

المغرب اليوم -

فلسطين من قضية وطن إلى خبر في وسائل الإعلام

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

أيام في سنوات لا يغطيها غبار الزمن الذي لا يتوقف. في الأسبوع الأخير من شهر مايو (أيار) سنة 1967، كانت عقولنا نحن جيل الشباب العربي آنذاك، قد تلاشت في أتون عواطفنا الملتهبة. أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قراره بإغلاق مضايق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية، وقال بصوت هادئ وواثق: إذا أراد اليهود الحرب، فنحن نرحب بها. وبعد ذلك بدأ المعلق التاريخي الكبير في صوت العرب، يبشر بصوته من مقام الرست الكلامي المشتعل، يبشر العرب بقرب تحرير فلسطين، واجتياح تل أبيب. صارت الأذن وحدها الحاسة التي تلغي كل الحواس، وتضع العقول في صناديق «الصمت الرهيب»، على قول الشاعر الكبير كامل الشناوي. ولكن لا أظن أن أحداً من شباب تلك الأيام المشتعلة، قد لامس أذنَه عنوان تلك القصيدة، لا تكذبي.

في فجر يوم الخامس من يونيو (حزيران)، ضرب ناقوس الخبر في إذاعة صوت العرب من القاهرة، يبشر العرب من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، باندفاع القوات المسلحة نحو أرض فلسطين لتحريرها من العصابات الصهيونية. كانت إذاعة صوت العرب غرفة العمليات العسكرية الصوتية، بقيادة الجنرال أحمد سعيد، ترافقها القوة المساندة، بقيادة الجنرال الشاعر صلاح جاهين، والجنرال المطرب عبد الحليم حافظ، تحرك قوات، يا أهلا بالمعارك. في يوم التاسع من يونيو جاءنا من ذات الاستوديو، الخبر اليقين. استقالة الرئيس جمال عبد الناصر، والصدع بخبر الهزيمة. أخبار ارتدادية لا تغيب، توّجها خبر انتحار المشير عبد الحكيم عامر. استمرت فلسطين، تحضر كخبر في الأحداث، وتغيب كقضية تتحرك نحو الحل لعقود.

هل يعيد التاريخ نفسه هذه الأيام؟

الخبر العاجل الذي ينتظره الجميع، أن يظهر أمامهم على الشاشات، هجوم إيراني على إسرائيل، أو هجوم استباقي إسرائيلي واسع على إيران. الهجوم الإسرائيلي المتواصل على غزة، سكن في نشرات الأخبار العالمية، كعداد يقدم كل يوم إحصائية للضحايا المدنيين الفلسطينيين، حتى صار مرافقاً لأخبار الرياضة وأسواق المال والصراعات الانتخابية. في السنوات القليلة الماضية، أصدرت إسرائيل قانوناً تأسيسياً، يؤكد أن إسرائيل دولة يهودية، أي لليهود وحدهم، وفي الآونة الأخيرة، أصدرت قراراً يرفض قيام دولة فلسطينية، وفي الأسبوع الماضي، طالب وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير، بضم الضفة الغربية، إلى دولة إسرائيل. كل ذلك أخبار تدفعها أخبار جديدة، في الأخبار المكتوبة والمسموعة والمرئية.

من يتحدث اليوم عن ردّ إيران العسكري الثأري المنتظر، على اغتيال إسماعيل هنية، في عقر دار قوتها، عليه أن يضع في عقر رأسه، كلمة المنتظر المقدسة. ماراثون المفاوضات المتغيرة الأطراف والدسم، حول وقف العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، صارت خبراً مضافاً إلى ما تعج به نشرات الأخبار. الولايات المتحدة، التي حشدت حاملات أحدث طائراتها، وغواصاتها المتحركة بالطاقة النووية، وتقدم السلاح والمليارات لإسرائيل، وتعلن التزامها المطلق بوجود إسرائيل وأمنها، تمتلك من الجرأة، ما يكفيها لأن تلعب دور من يرش السراب على نيران العذاب.

حل الدولتين! الخبر الذي تحشوه البيانات السياسية، في وصفة الحل النهائي للقضية الفلسطينية، لا يعني شيئاً سوى جرأة الاستخفاف بعقول الحالمين، مثلما كان في زمن صواعق الأناشيد والخطابات القومية الناقوسية.

الأخبار تتحرك وتدور مع دورة الكرة الأرضية، والقضية لا تخضر أوراقها، ولا تسقيها عاديات الأيام. والإسرائيليون يدفعون بقوات الإبادة إلى كامل أرض غزة، والمستوطنون يندفعون بمئات الآلاف يحملون أسلحتهم، ويستولون على البيوت والمزارع والمراعي، والطائرات والصواريخ تقصف المخيمات، وتدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها. القبض على الشباب الفلسطيني وتعذيبهم صار وجبات تسلية يومية للجنود الإسرائيليين.

بالتأكيد سيرى كثيرون فيما كتبت، آهات تشاؤم وشحنة إحباط ويأس. لكن مسيرة القضية الفلسطينية، منذ أن تحركت من لندن، في ورقة وعد بلفور، والعرب يرفعون سقف الأماني، دون أن يقوموا بتشريح موازين القوة التي لهم، وما للطرف الآخر. كان العرب مجاميع مشتتة بعد تمزق الرداء العثماني المرقع. جرت في نهر الصيرورة السياسية العالمية مياه، أنبتت زرعاً جديداً، وأغرقت كيانات وكائنات قديمة. اليهود القادمون من أوروبا حملوا معهم خرائط الزمن المتحرك. إعلان بلفور وعدهم بوطن، ولم يعدهم بدولة في أرض فلسطين. ما يتكرر اليوم في الأخبار، عن حل الدولة الفلسطينية، هو مجرد مغالبة كلامية سياسية، لن تلد حلاً. التطرف اليهودي يزداد قوة، وربما نشهد في السنوات المقبلة، وصول بن غفير أو سموتريتش الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. في مطلع سبعينات القرن الماضي، كانت غالبية الإسرائيليين، يصفون مناحيم بيغن بالمجنون المجرم. لكنه صار رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي نال جائزة نوبل للسلام. وكأن ذلك مجرد خبر، في ذبذبات الأثير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين من قضية وطن إلى خبر في وسائل الإعلام فلسطين من قضية وطن إلى خبر في وسائل الإعلام



GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
المغرب اليوم - حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 18:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
المغرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا

GMT 02:57 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

3 مشروبات شائعة تُساهم في إطالة العمر

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أبرز الأماكن السياحية في مصر

GMT 17:04 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ديوكوفيتش يقترب من سامبراس ويحلم بإنجاز فيدرر

GMT 12:56 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الوداد ربح لقبا للتاريخ !!

GMT 22:00 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

إسماعيل الجامعي رئيسا جديدا للمغرب الفاسي

GMT 02:18 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نجمات هوليوود تحتضن صيحة "الليغنغز" الملون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib