ترمب الملاكم داخل البيت الأبيض وخارجه

ترمب الملاكم داخل البيت الأبيض وخارجه

المغرب اليوم -

ترمب الملاكم داخل البيت الأبيض وخارجه

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

هبّت عواصف السباق نحو بيت القوة والقرار في الولايات المتحدة الأميركية. بيت كل ما فيه يعبق بمتعة السلطة الضاربة، في داخل الولايات الأميركية الخمسين وخارجها. سكن هذا البيت السحري 46 رئيساً، منهم من مات ومنهم من قُتل. الرئيس فرانكلين روزفلت، حكم أطول فترة، في حين حكم الرئيس وليام هنري هاريسون، أقصر فترة؛ إذ توفي بعد 31 يوماً من توليه السلطة. الرئيس جورج واشنطن حكم لمدة ثماني سنوات، من دون أن ينتمي إلى أي حزب سياسي. السلطة متعة وبها إغراء وفيها إغواء. أما لمن يسكن البيت الأبيض، ويجلس في المكتب البيضاوي ففيها أكثر من ذلك؛ فهو يرى كل الدنيا بين أصابعه. الولايات المتحدة الأميركية، دنيا جديدة بكل ما فيها، تاريخاً وجغرافية وسكاناً وثقافة وفناً. الوصول إلى كرسي الرئاسة فيها له طريق ليس كمثلها طريق في كل دول العالم. كل رئيس قاد هذه الدنيا الجديدة في كل شيء، كانت له صفات وسلوك وأسلوب في إدارة الحكم، ميَّزته عمن سبقه أو من لحقه. حزبان لا يطالهما الهرم، هما الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي.

دونالد ترمب، رجل الأعمال والملياردير ورجل الإعلام المثير في كل شيء. له شخصية ملاكمة ومصارعة بالصوت والصورة والكلمات ذات المخالب والأسنان. أتقن لعبة تفكيك الأموال وتركيبها على امتداد الولايات المختلفة. حارب في الغرف المفتوحة والمغلقة، فهو الجنرال المقاتل على كل الجبهات من دون أن يرتدي بدلة الكاكي، أو يضع نجوماً على كتفيه. ترأس الولايات المتحدة الأميركية مدة أربع سنوات من 2017 إلى 2021. كان ظاهرة غير مسبوقة في دخوله إلى البيت الأبيض وخروجه منه. في الانتخابات التي أوصلته إلى الرئاسة، واجه السيدة هيلاري كلينتون من الحزب الديموقراطي. كان فوز هيلاري كلينتون زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون ووزيرة خارجية سابقة، شبه مؤكد، لكن المصارع الروماني الجلادييتور دونالد ترمب، استولى على مفتاح البيت الأبيض بضربة صعقت الجميع. أحال مكتبه البيضاوي حلبة ملاكمة محلية ودولية. دخل ترمب إلى البيت الأبيض بعد باراك أوباما، الرئيس الأميركي الأول المتحدر من أصول أفريقية، واسم والده حسين، ومرشح الحزب الديموقراطي.

اعتلى دونالد ترمب حلبة البيت الأبيض، ومنذ البداية، قرر الفوز بالضربة القاضية، أما النقاط فقد كان واثقاً بأنه أكبر منها وأقوى. معركته المبكرة كانت مع أوروبا على جبهة حلف «الناتو» التي تجمع الكيانين الأميركي والأوروبي برباط عسكري. طالب أوروبا بأن ترفع مساهمتها في ميزانية الحلف. كادت تلك المواجهة أن تدفع حلف «الناتو» إلى الاهتزاز. معركته الخارجية كان لها ميدان تجاري، وكانت الصين هي الغريم الأكبر، لكنه لم يحقق مبتغاه بسبب ردود الفعل داخل أميركا.

الهجرة غير النظامية، كانت ولم تزل الهاجس الذي لا يغيب في داخل أميركا، فاندفع ترمب في بناء الجدار العازل بين المكسيك وأميركا. ضربة مسرحية سياسية فارقة، هزَّت المشهد السياسي الأميركي والعالمي، عندما اجتمع مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون في فيتنام. رفضه برنامج مواجهة التغيرات المناخية، وإصراره على استعمال الفحم الحجري والنفط الصخري. اعترافه بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وضم هضبة الجولان إلى إسرائيل. كل الخبطات كانت فعلاً ترمبية. لم يتبن تصدير الروشتة الأميركية إلى الخارج، ومضمونها حقوق الإنسان والديمقراطية، وكل ما تحتويه تلك الوصفة العابرة للحدود التي اعتنقها الحزب الديمقراطي الأميركي. كان همّه الذي رفع شعاره هو، أن تكون الولايات المتحدة عظيمة. صار ترمب الوطني الشوفيني رمزاً للشعبوية المحلية والعالمية، وعدّه بعض القادة السياسيين في العالم، المثل المعبر عن توجهاتهم السياسية.

انطلقت منذ أيام الحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الجمهوري. كالعادة تقدم الكثير من الشخصيات، منها البارز في الميدان السياسي، ومنها ما دون ذلك. دونالد ترمب لا يتغير ولا يتراجع، فهو الملاكم والمصارع وإن تغيرت الحلبات. رفض أن يشارك في مناظرات المترشحين للرئاسة، فهو كما يرى نفسه دائماً أعلى وأرقى وأقوى. انطلقت الانتخابات الأولية بولاية أيوا، ولكن ترمب لم يشارك فيها. من أبرز المشاركين في محفل أيوا، كان نائب ترمب في رئاسته مايك بنس، وكريس كرستي حاكم ولاية نيوجرسي السابق الذي كان مقرباً من ترمب، ونيكي هيلي المندوبة السابقة في الأمم المتحدة في عهد حكم الرئيس ترمب، ورون دي سانتس حاكم ولاية فلوريدا. أطلق الجميع نيران كلماتهم على كل من ترمب الغائب الحاضر، وعلى المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن. النيران التي كانت يوماً صديقة وحليفة، أطلقها مايك بنس النائب السابق للرئيس ترمب. قال بنس إن ترمب عرّض حياته للخطر عندما حرّض أنصاره للهجوم على الكابيتول هيل، وأضاف أن أي شخص يضع نفسه فوق القانون والدستور، لا يجوز أن يكون رئيساً للدولة مرة أخرى. كما انتقد بنس الرئيس الحالي جو بايدن ووصف رئاسته بالكارثية. المترشح الآخر كريس كرستي الحاكم السابق لولاية نيوجرسي، كان مقرباً من ترمب قبل أن تفتر العلاقة بينهما. لكن رغم كل ذلك الهجوم على ترمب وغيابه عن محفل المنافسة، فإنه كان الأول بين الجميع.

ردّ ترمب كعادته على منافسيه ساخراً كالعادة، من على حلبته المعتادة «إكس». قال عن المرشح رون دي سانتس ساخراً: إنه شاب غرٌ أحمق وساذج، مثله مثل الرئيس الحالي بايدن، وقال إن أرقام الاستطلاعات تظهر أن دي سانتس يسقط كما تهوى الصخرة، وأضاف ترمب، لسنا في حاجة إلى أحمق آخر فلدينا مثله الآن في البيت الأبيض، ونحن في حاجة إلى رئيس يجعل أميركا عظيمة مرة أخرى.

ترمب تلاحقه 91 تهمة جنائية من بينها تهم أخلاقية، لكن على الرغم من ذلك، فهو المتقدم بين المترشحين الجمهوريين. وسائل استطلاع الرأي ومن بينها صحيفة «النيويورك تايمز» وشبكة «سي بي إس»، حيث أظهرتا أن الرئيس بايدن يواجه صعوبات حقيقية، للفوز برئاسة ثانية، وأن بوصلة مزاج الناخب الأميركي تتجه نحو ترمب، ولو جرت الانتخابات الرئاسية الآن فسيفوز ترمب بأكثر من 300 صوت في المجمع الانتخابي، وهو ما يزيد بكثير على المطلوب.

ستكون الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، علامة ساخنة ومختلفة عن كل ما سبقتها من انتخابات. مرشح تلاحقه عشرات التهم وقد تقوده إلى السجن، ومزاج شعبي يميل إليه. هل سنرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أميركا جديدة؟.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب الملاكم داخل البيت الأبيض وخارجه ترمب الملاكم داخل البيت الأبيض وخارجه



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:47 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منح يحيى الفخراني جائزة إنجاز العمر من مهرجان الأفضل
المغرب اليوم - منح يحيى الفخراني جائزة إنجاز العمر من مهرجان الأفضل
المغرب اليوم - أنتوني بلينكن يتحدث عن مصير التطبيع بين السعودية وإسرائيل

GMT 10:03 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

عجوز مغربية تتجرّع مرارة العيش في "كهف البؤساء" بمدينة وزان

GMT 15:00 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

فريق الراسينغ البيضاوي يفسخ عقد 6 لاعبين دفعة واحدة

GMT 15:20 2017 السبت ,28 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مميزة لجلسات خارجية في فصل الصيف

GMT 09:48 2024 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مركبة الشحن الفضائية الصينية تلتحم بالمحطة الفضائية

GMT 09:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال تركيا "المدمر"

GMT 07:01 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

أمين حارث يغازل برشلونة وريال مدريد وليفربول

GMT 05:45 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

5 ألوان حوائط خالدة في عالم الديكورات

GMT 00:59 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

وفاة سلطان عمان قابوس بن سعيد

GMT 01:55 2019 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

"العراقيون" أول شعب عربي يحكم الحكومة ويدخلها في صراع

GMT 03:26 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد كريم يحتفل بعرض أولى أفلامه العالمية بحضور خيري بشارة

GMT 04:35 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مأزق بشأن كيفية محاكمة الرئيس الأميركي في مجلس الشيوخ
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib