بحثاً عن مقبرة
الحوثيون يؤكدون إفشال هجوم أميركي بريطاني على اليمن باستهداف حاملة الطائرات "يو إس إس هاري إس ترومان" إسرائيل تنفي مغادرة أي وفد لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى القاهرة 10 جنود إيرانيين شباب لقوا حتفهم في حادث سقوط حافلة في واد غرب إيران سقوط نحو 300 قتيل في اشتباكات عنيفة بين قوات سورية الديمقراطية وفصائل مسلحة مدعومة من تركيا في محيط سد تشرين وزارة الصحة في غزة تكشف أن عدد ضحايا عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع ارتفع إلى 45,259 شهيداً و107,627 مصاباً من 7 أكتوبر 2023 تسجيل 76 حالة وفاة و768 إصابة جراء إعصار شيدو الذي ضرب مقاطعات "كابو" و"ديلغادو" و"نابولا" و"نياسا" في شمال موزمبيق زلزال متوسط بقوة 5.3 درجة غرب يضرب جنوب إفريقيا تكريم الفنان الكوميدي محمد الخياري في الدورة العاشرة لمهرجان ابن جرير للسينما وفاة الفنان المغربي القدير محمد الخلفي عن عمر يناهز 87 عامًا بعد معاناة طويلة مع المرض ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 45227 شهيد و107573 جريح منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

بحثاً عن مقبرة

المغرب اليوم -

بحثاً عن مقبرة

سوسن الأبطح
بقلم:سوسن الأبطح

من حسن حظ توفيق الحكيم وعباس محمود العقاد أنهما دفنا بعيداً عن زحمة القاهرة، وأزمات العواصم التي لا توقر أحياءً ولا أمواتاً. دفن العقاد في مسقط رأسه أسوان، حيث اختار له يومها محافظ المدينة موقعاً خاصاً به على الطريق العام، ولا يزال مدفنه مصوناً ومعتنى به. أما توفيق الحكيم فنقل جثمانه إلى مدينته الإسكندرية. ويبدو أن الدفن لم يكن بالسهولة التي نتصورها لكبير في قومه؛ إذ كان لا بد من تدخّل المحافظ شخصياً، لاسترضاء حفّار القبور كي يتمنن ويتممّ المراسم، على اعتبار أن إذناً بالدفن لم يكن مع المشيعين. أما من دفنوا من الأدباء في القاهرة، فبعض عائلاتهم لا تزال تعاني رغم مرور عشرات السنين على موتهم. فمن الغرابة بمكان أن نرى الورثة يستغيثون، طالبين الرأفة برفات أحبابهم. وآخر طالبي النجدة هي الإعلامية نهى ابنة البديع الذي لا تملّ قراءة قصصه يحيى حقي. فهي لا تزال تبحث عن حلّ للجرافات التي تزيل القبور وتقترب سريعاً، من قبر والدها، ولا من يسأل. وقبل شهرين، كان ورثة طه حسين المدفون ليس بعيداً عن يحيى حقي، بالقرب من السيدة نفيسة، قد أطلقوا نداء مشابهاً بعد أن وضعت إشارة «إزالة» على القبر، إيذاناً بهدمه. وثمة فرق جوهري بين النقل والإزالة، فهل يتصور أحدنا أن يعامل صاحبا رائعة «الأيام» وتحفة «قنديل أم هاشم» بهذه اللامبالاة المعيبة. وصل الأمر بورثة طه حسين إلى حد التفكير في نقل رفاته إلى فرنسا، وربما كان مجرد تهديد، للفت النظر إلى جسامة قضيتهم. ففي ذكرى وفاته الخمسين، التي كان يفترض أن تتحول إلى وقفة سنوية كاملة للإضاءة على الدور النهضوي المفصلي لـ«عميد الأدب العربي»، وصاحب اللغة الباسقة، وجد أحبته الكثر أنفسهم في انشغال عن مضامين إرثه وفكره، بتأمين تربته وصيانة حرمة موته، وهذا مؤلم.
ومفارقة أكبر أن يأتي خبر هدم مقبرة يحيى حقي، ومن ثم اقتراح نقلها إلى مكان آخر، بالتزامن مع ذكرى وفاته الثلاثين، وبعد أشهر فقط من الاحتفاء به كشخصية العام في معرض القاهرة للكتاب.
قرب الأولياء الصالحين، وآل البيت، الذين كتب عن علاقة الناس بهم، وطقوسهم ونذورهم وآمالهم ودموعهم، أجمل النصوص، أوصى يحيى حقي بأن يرتاح ويغمض عينيه. لم يكن ليخطر له، بطبيعة الحال، أن التخطيط المدني الذي يصل متأخراً إلى بلاد العرب أكثر من 200 عام، سيجرفه مع أمنيته الأخيرة.
محظوظون هؤلاء العمالقة؛ لأن ثمة من يثير قضية محو قبورهم عن وجه الأرض أو نقلها، فيما تتألم مئات العائلات الأخرى على فقد أثر أحبتها، ولا تملك قوة الكلمة، أو الوصول إلى منبر لإيصال صوتها. والأموات على هذا النحو يعاملون في بلدان عربية كثيرة. ثمة قبور تنبش، وغيرها تسرق، أو تضيع أو يمحى أثرها، بعد أن ضاقت الأرض بما رحبت، ولا من يسأل. والأهمية ليست للقبر نفسه، بل لرمزيته، ولأحاسيس الأحياء بأن ثمة ما يدل على بقايا فقيدهم.
وبالعودة إلى يحيى حقي، فهو أكثر من كاتب، وأكبر من أديب. هذا رجل نموذج وقدوة. عني بالشباب وطموحاتهم، بحث عن الأساليب الأكثر نجاعة في التربية. كان تنويرياً صادقاً، تعددياً، حراً في الوقت الذي لم يكن فيه الكلام على الحرية موضة شائعة. أصوله التركية، زوجته الفرنسية، حبها للفن، معرفته الوثيقة بالقانون والحقوق، كلها أمور قربته من طلب العدالة، والجمال، وحثته على فهم أهمية تنمية ملكات التعبير.
يستحق يحيى حقي أكثر مما كتب عنه. جرّب أن تبحث عن أي مجال فني في مصر، تجد أن يحيى حقي كان من بين من وضعوا لمساتهم السحرية لإطلاقه أو المشاركة في بعثه. أطلق مجلة ترجمت نصوصاً أدبية من كل اللغات لتعريف أبناء بلده بالآداب الأجنبية، أسس المعهد العالي للسينما، هو أول من عني بجمع الفلكور المصري في الرقص، ومن هنا انبثقت فرقة محمد رضا. عاشق للتراث وللتعمق بعناصره، من النخلة إلى العصا إلى الأغنية، والخرافة. أرستقراطي يعرف خطورة رؤية الحياة من فوق. طلبه أن يدفن حيث هو اليوم، ربما لأنه أراد أن يبقى يتأمل أولئك الذين استوحى منهم أجمل حكاياته، ولا يتوقف عن تحليل وفهم أعماقهم.
القبر مجرد رمز، وشبابنا يحتاج إلى رموز، إن لم تكن موجودة فيتوجب اختراعها. يحيى حقي عاش وناضل وأنجز بيننا. حكاياه كما مسيرته تبعث كلها الحيوية في الوجدان.
منذ الثورة الفرنسية ولكبار قامات فرنسا، مقامهم في البانتيون، هناك في عظمته وبهائه، يرتاح جان جاك روسو، إميل زولا، فيكتور هوغو، سيمون فاي، فولتير، وغيرهم كثر. آخرون ضمتهم مقبرة بيرلا شايز، التي تحولت مع قبور فولتير، ومارسيل بروست، وبول إيلوار، إلى حديقة، لا يمكن لأحد أن يتخيل بأن تحذفها مشاريع مستجدة، وقد أصبحت المقبرة الأكثر زيارة في العالم.
لعل الوقت لم يتأخر لتدارك كارثة الاستسلام لفوضى في زرع القبور، كيفما اتفق. ربما علينا تنظيم حال الموتى بالتزامن مع إعادة النظر في مسار حياة الأحياء. لا لتخليد ميتٍ، بل لتذكر تجربته والامتنان لمن أثروا حاضرنا بماضيهم، ولا يزالون يلهموننا من قبورهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحثاً عن مقبرة بحثاً عن مقبرة



GMT 13:57 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

محاصر بين جدران اليأس !

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

«مسار إجبارى».. داش وعصام قادمان!!

GMT 10:52 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الفوازير و«أستيكة» التوك توك

GMT 10:49 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الأخلاقى والفنى أمامنا

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

ذكرى عودة طابا!

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
المغرب اليوم - المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع

GMT 13:49 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني
المغرب اليوم - الفنانة زينة تكشف عن مفاجأة جديدة في مشوارها الفني

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 09:12 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

لاعبو منتخب "الأسود" يؤكدوا ثقتهم في الركراكي

GMT 08:54 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

العام الحالي 2023 الأكثر حرّاً في التاريخ المسجّل

GMT 16:07 2023 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

علماء الآثار يزعمون اكتشاف "خريطة كنز عملاقة"

GMT 05:19 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

زينّي حديقة منزلك بـ"فانوس الإضاءة الرومانسي"

GMT 09:00 2018 الثلاثاء ,12 حزيران / يونيو

" ديور " تطرح ساعات مرصعة بالألماس

GMT 18:37 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

شيرى عادل فى كواليس تصوير "بنات سوبر مان"

GMT 02:51 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

شيرين سعيدة بنجاح "سابع جار" ودورها في "عائلة زيزو"

GMT 08:44 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

لائحة مغربيات لمعت أسماؤهن في سماء الموضة العالمية

GMT 10:55 2016 الخميس ,21 تموز / يوليو

ماريو غوتزه ينضم إلى بروسيا دورتموند رسمياً
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib