كوتس المخيف

كوتس المخيف

المغرب اليوم -

كوتس المخيف

بقلم - سوسن الأبطح

تتلقى السردية الإسرائيلية ضربة قاسية في عقر دارها. النجاح الهائل الذي يحققه كتاب «الرسالة» في أميركا للصحافي والروائي الشهير تا-نهيسي كوتس، ويخصص أحد أهم فصوله لفلسطين، يجعل المؤيدين لإسرائيل يشعرون بالذعر حد الهذيان.

 

أصبح الكتاب الذي يعرّي الإجرام الإسرائيلي على قائمة المؤلفات الأكثر مبيعاً، وفتحت محطات التلفزة التي لم تكن يوماً مؤيدة لفلسطين شاشاتها وبرامجها أمام كوتس، ليدلي بالمزيد من الشهادات حول زيارته وتجربته بين الضفة وإسرائيل. عنونت «واشنطن بوست» أحد مقالاتها: «لماذا يجب عليك قراءة كتاب تا-نهيسي كوتس الجديد؟». والإجابة لأن الكاتب هو أحد أهم المؤثرين في بداية القرن الحادي والعشرين، ومن بين مَن تأثروا به الرئيس باراك أوباما وآخرون غيره. كما أن الكتاب يكشف عن اليوميات الرهيبة لحياة الفلسطينيين، ويربط بين اضطهادهم ومظالم السود في أميركا. ويثير كوتس ضجيجاً قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها كل من المرشحَين كامالا هاريس ودونالد ترمب على دعم إسرائيل، وحقها المطلق في الدفاع عن النفس ووجوب تزويدها بكل ما يلزم.

وحين يكتب كوتس عن الشناعات التي رآها في الضفة، وما تعرض له السود في أميركا، يجعل من القضية الفلسطينية جزءاً من الحوار الداخلي، في الوقت الذي تتجنب فيه هاريس الملونة فتح ملف العنصرية، وتركّز بشكل أساسي على التخلص من المهاجرين وتقليص عددهم.

يشعر المؤلف بالخزي والعار بعد رحلته الأخيرة إلى إسرائيل، التي كانت الأولى له، لأن كل المقالات التي قرأها، وتتحدث عن تعقيد الصراع وصعوبة فهمه كانت مزيفة، والأمر في حقيقته أبسط من ذلك بكثير. إذ يكفي أن تكتب الحقيقة.

ثمة هجوم غير مسبوق على الكاتب وكتابه، واتهامات بالجملة له بالانحياز وسوء الفهم، وعدم إدراك أبعاد ما رآه، رغم أن زيارته لفلسطين كانت قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ولا يتطرق لكل المجازر الحالية.

لكن الربط يحدث تلقائياً، عند من يقرأ. فكلما زادت إسرائيل من نسبة القتل وحرق المدنيين التي وصلت إلى الإجهاز عليهم في منازلهم بالروبوتات المفخخة المحملة بأطنان من المتفجرات، للتسريع في إبادة أكبر عدد منهم، تصاعد الغضب عليهم والمعارضات المدنية لسلوكهم الهمجي.

ويسير نتنياهو جنرالاته في خطة مفادها، إذا لم تنفع القوة العاتية، فلتكن قوة أكبر، للقضاء على الأعداء، لكن هذا النهج الهستيري يشعر عقلاء اليهود في العالم بخطر شديد على مستقبلهم، في الدول التي يعيشون فيها، وحتى في إسرائيل نفسها.

ويعتقد الكاتب والمخرج الإسرائيلي إيال سيفان أن الغرب يضلل إسرائيل وهو يدعمها بالسير إلى حتفها، غير عابئ بغير مصالحه، وجعلها تصل إلى مستويات من الوحشية تفوق الخيال.

وهو بعد 40 سنة من صناعة الأفلام، ومحاولات التغيير من الداخل، وصل إلى حد اليأس من مجتمع يصفه بـ«الأناني» و«العنيف»، وبأنه مسكون بفكرة استعمارية لا تتزحزح، ولا سبيل لكسرها إلا بالقوة.

الجميع يسأل «من يوقف هذا الجنون؟» الإجابة، أن فكراً سادياً إلى هذا الحدّ يحتاج إلى عقاب يطول كل فرد. وسيفان يعتقد أنه يوم يشعر كل شخص في إسرائيل بأن التجنيد الإجباري سيحول بين تسجيله في الجامعة التي يريدها، ويكون عائقاً أمام تقدمه في الحياة، سيعيد النظر مرتين. وحين يتأكد باحث من أنه لن يموّل ولن يُدعى ليشارك في مؤتمرات، أو يستقبل في مختبرات علمية، بسبب سوء السمعة، سيعيد النظر. حين تمس الإجراءات، كل شخص في صميم مصلحته الشخصية، تنكسر عنجهيته، وصلافته، ويبدأ المجتمع بالتفكّر.

إسرائيل باتت تخشى مجرد كتاب يروج في أميركا، وتسخّر لمهاجمته لوبياتها، وصحفها، ومحاميها، وكأنما اهتزت الدنيا. هذا لا يتلاءم مع العنجهية التي تتحدث بها، وقولها إن بمقدورها فعل كل ما تريد، حين تشاء حيث تشاء.

إسرائيل كيان يتغذى على الدم. لذلك ترفض من دون تردد السلام الذي تدعوها إليه الدول العربية وخلفها دول إسلامية. بل إن الكنيست رفض بما يشبه الإجماع، أي كلام عن الدولتين، وبالطبع لا يمكن أن تكون الدولة الواحدة واردة. ذلك لأنها تفقد كل ميزاتها، حين تصبح دولة عادية، كما أي دولة في المنطقة، وتسقط عنها الاستثناءات، ويتوقف ضخ المساعدات، والتمويلات الوفيرة، والمعاملة الخاصة. فهي مهيضة ومكروهة من كل جوارها، لذا هي مدللة، ووجب أن تكون الأكثر تسليحاً، والأوفر اقتصادياً، كي تتمكن من البقاء في محيط معادٍ.

إسرائيل تعيش وتقتات من معاداة محيطها لها، ولن تقبل بالسلام إلا كخدعة جديدة، على غرار أوسلو الذي أطال عمرها ما يزيد على ثلاثين سنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوتس المخيف كوتس المخيف



GMT 09:09 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الساحة عربية... والميدان غريب

GMT 09:02 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب ضد «حزب الله» تستهدف نفوذ إيران في لبنان

GMT 08:49 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مصباح الرياض والقاهرة

GMT 08:47 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

أصيلة... مدينة تحتضن قارة

GMT 08:45 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مؤامرة التغيير الديموغرافي في السودان

أجمل إطلالات نجوى كرم باللون الزهري بدرجاته المختلفة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:23 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة
المغرب اليوم - سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة

GMT 22:08 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

5 قواعد لاختيار السجادة المناسبة لغرفة الطعام
المغرب اليوم - 5 قواعد لاختيار السجادة المناسبة لغرفة الطعام

GMT 09:45 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عبدالفتاح الجريني يطلق أغنيته الجديدة "سلامات"
المغرب اليوم - عبدالفتاح الجريني يطلق أغنيته الجديدة

GMT 12:49 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

أزياء "دولتشي آند غابانا" لخريف 2018 للرجل العصري بامتياز

GMT 04:37 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب لم تطمح لأن تكون السيدة الأولى للولايات المتحدة

GMT 14:33 2014 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حادثة سير مروعة تسفر عن مقتل 3 أشخاص في مراكش

GMT 21:48 2014 السبت ,05 تموز / يوليو

فوائد التمر للصائم في شهر رمضان

GMT 14:40 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

تقديم مسلسل الليل والقمر لعمر فتحي على ماسبيرو زمان

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib