الحرب في أوكرانيا ديناميات دولية جديدة أو متجددة

الحرب في أوكرانيا: ديناميات دولية جديدة أو متجددة

المغرب اليوم -

الحرب في أوكرانيا ديناميات دولية جديدة أو متجددة

ناصيف حتّي
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي

9أشهر تقريباً مرت على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، أو ما وصفه بعض الكتّاب القريبين من الموقف الروسي بالحرب الاستباقية أو الوقائية، تدفع إلى إدراج بعض الملاحظات بشأن السمات التي تبلورت أو استقرت على الصعيد الدولي...
أولاً، ولادة جديدة لحلف شمال الأطلسي مع ولادة تهديد استراتيجي جديد للحلف كان غائباً منذ نهاية الحرب الباردة. التهديد الروسي أعاد «شد العصب» عند دول الحلف بعد سنوات أيضاً من الوهن أسهمت فيها الإدارة الأميركية السابقة... إدارة الرئيس ترمب التي قامت سياستها على الدبلوماسية الأحادية على حساب دبلوماسية التعاون المتعدد الأطراف مع الحلفاء، وكذلك على ضرورة إعادة تحديد وتوزيع «التكاليف» في الشراكة الاستراتيجية الغربية. اليوم شهدنا انضمام السويد المحايدة إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وكذلك انضمام فنلندا التي اتبعت خلال الحرب الباردة استراتيجية حياد سياسي عرفت بـ«الفنلندة» كنموذج واقعي في السياسة الدولية للتعامل مع التحديات والمخاطر المحتملة التي تواجه دولة معينة في محيطها المؤثر. لكن منظمة حلف شمال الأطلسي التي ساهمت وتساهم بمساعدات عسكرية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات لدعم أوكرانيا لم تقم بأي تدخل مباشر في الحرب تلافياً لأي تصعيد عامودي أو جغرافي. الجدير بالذكر أن التعاون بين الحلف الأطلسي وأوكرانيا قد بدأ منذ عام 2014 عند ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. لكن يبقى السؤال قائماً حول مستقبل تقاسم التكلفة فيما يتعلق بالحرب المفتوحة في الزمان فيما لو عاد الجمهوريون بقوة إلى مجلسي الشيوخ والنواب في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة.
ثانياً، من دون شك ساهمت الحرب في إبطاء عملية بناء الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية بسبب ضغوطات الخطر الروسي المشترك، بدون أن يعني ذلك وقف الاهتمام بهذا الهدف الأوروبي الحيوي، خاصة في ظل استمرار الصراع بين تياري الأطْلسة والأَوْرَبة؛ الأول يقوم على الانخراط شبه الكلي مع الاستراتيجية الأميركية، فيما الثاني يقوم على التمايز ضمن التحالف مع الولايات المتحدة، وهي فكرة فرنسية أساساً. رغم ذلك، فإن هنالك أصواتاً مرتفعة في أوروبا، سواء على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الشعبي، تمثلها قوى شعبوية في اليسار وفي اليمين ضد الحرب، وأكثر تفهماً أو تحالفاً مع الموقف الروسي. ولكن رغم ذلك، فلقد تحركت سياسة الاستقلالية الأوروبية عبر انعقاد القمة الأولى للجماعة السياسية الأوروبية في براغ مطلع الشهر الماضي وحضرتها 44 دولة أوروبية (استثنيت منها كل من روسيا وروسيا البيضاء) لإطلاق مسار تعاوني أوروبي مختلف الأوجه والأبعاد، ما يعزز الدور الأوروبي على الصعيد العالمي... دور أمامه كثير من المعوقات، ولكنه يبقى خياراً ضرورياً لتعزيز مكانة أوروبا ودورها على الصعيد الدولي.
ثالثاً، إحياء الدبلوماسية المتعددة الأطراف بهدف المواجهة، عبر تفعيل أدوار منظمات قائمة، لم تلعب هذا الدور من قبل، أو إنشاء أطر أو آليات تعاون جديدة، نذكر منها إلى جانب الحلف الأطلسي منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي كانت قد أنشأتها روسيا وتضم 6 دول من ضمن الاتحاد السوفياتي سابقاً، وكذلك منظمة الكواد (الحوار الأمني الرباعي) التي تضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا. أضف إلى ذلك تطور دبلوماسية التنسيق والتعاون بين روسيا والصين الشعبية من دون أن تصل إلى مستوى الحلف الرسمي، إذ تبقى هنالك نقاط تمايز بين الطرفين في كثير من القضايا تعكس اختلاف الأولويات، وكذلك منطق التنافس الدولي بين القوتين الكبريين.
رابعاً، مستقبل الحرب في أوكرانيا التي قد تستمر بدرجات مختلفة من التصعيد، أو قد تصل إلى هدنة أمر واقع من دون ولوج باب التسوية؛ فلا اعتراف بالضم أو القضم الذي قامت به موسكو بشأن مقاطعات أوكرانية، من طرف المجتمع الدولي، لما يشكل ذلك سابقة خطيرة في لعبة إدارة الصراعات الدولية وتسويتها، وهو أمر يحظى بتوافق واسع من دول متعاطفة مع موقف روسيا بشأن الذهاب إلى الحرب. وقد يشهد سيناريو غياب التسوية قيام نوع من جدار برلين جديد على الحدود الغربية (أوكرانيا) مع روسيا. السيناريو الآخر القائم على ولوج باب التسوية السلمية ما زال من المبكر الحديث عنه، وهو يستدعي سلة توافقات، تشمل عدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي أو نوعاً من الحياد على الطريقة الفنلندية خلال الحرب الباردة، وترتيبات تتعلق بمنح وضع خاص للمناطق الأوكرانية القريبة تاريخياً من موسكو، والتي ضمتها الأخيرة لتعود جزءاً من الدولة الأوكرانية ولا مانع من انضمام أوكرانيا متى استوفت شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي... شروط تحقق أسس التسوية الشاملة، ولو لم تنضج بعد ظروف تحقيقها. تسوية الأزمة الأوكرانية بشكل شامل شرط ضروري لإعادة الاستقرار إلى المسرح الاستراتيجي الأوروبي.
خامساً، نظام الحرب الباردة الجديدة الذي يتشكل بعد انتهاء «لحظة الأحادية الأميركية» وصعود الدور الصيني عالمياً وعودة الدور الروسي في الجغرافيا الاستراتيجية الأوروبية الآسيوية لن يشبه نظام الحرب الباردة السابق، فلن توجد أحلاف آيديولوجية استراتيجية مقفلة ومتصادمة بطبيعتها، أو العودة لثنائية قطبية حادة أو قيام نظام ثلاثي القطبية كما يتصور البعض، بل سيكون نظام متعدد الأقطاب وشديد التعقيد من حيث تقاطع وتضارب المصالح والترابط الشديد بين مختلف القضايا من حيث التأثير المتبادل. فالتلاقي والتصادم والاختلاف والتفاهم سيكون في إطار كل قضية أو مسألة، وليس كموقف مبدئي ومطلق وشامل. وخير من وصف الوضع الجديد الدبلوماسية الهندية بلسان وزير خارجيتها الذي أشار إلى سياسات تقوم على «الانحياز المتعدد» لوصف السلوكيات الدولية. وهذا ما يزيد من تعقيدات إدارة العلاقات الدولية في عالم تتقاطع وتتصادم وتختلف فيه المصالح بين الدول، حسب كل قضية ومدى أهميتها لهذه الدولة أو تلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب في أوكرانيا ديناميات دولية جديدة أو متجددة الحرب في أوكرانيا ديناميات دولية جديدة أو متجددة



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 15:40 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات عن إنتاج الخام الأمريكي

GMT 15:58 2022 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهم اليابان تحقق مكاسب طفيفة بتأثير من مخاوف رفع الفائدة

GMT 21:29 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

الأمن المغربي يطيح بسارق وكالة بنكية في مدينة فاس

GMT 04:02 2022 الأحد ,16 كانون الثاني / يناير

الرجاء المغربي يقدم عرضا رسميا لضم اللاعب حمزة خابا

GMT 20:31 2021 الجمعة ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الإصابة تُبعد نوير عن مواجهة رومانيا في تصفيات المونديال

GMT 02:28 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 11 شخصًا إثر أعمال عنف في ساحل العاج

GMT 13:09 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الرحلات البحرية من المغرب إلى إسبانيا‬

GMT 00:29 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيقات في المغرب تكشف تورط "راق شرعي" في جريمة زاكورة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib