عيد ميلاد سعيد لأستاذي وصديقي وشاعري الأثير أحمد عبد المعطي حجازي، يتم في هذا الشهر ٨٩ عاماً أمد الله في عمره ومنحه الصحة والعافية، تربينا كجيل على شعره وشعر رفيق دربه صلاح عبد الصبور، وعندما نفي الى فرنسا بعد خلاف اليسار مع السادات ظللنا نبحث عن قصائده ومقالاته، وعندما عاد أصبحت مقالاته نبراسا وأيقونة لكل من يريد أن يقتحم معركة التنوير ضد خفافيش الظلام، لم يتربح من مواقفه، وظل صلباً لا يلين أمام الاغراءات، وحتى موقفه من عبد الناصر أو بعض شعراء الجيل الجديد حتى لو اختلفت معها فلن تستطيع الا أن تحترم أنها قناعاته التي وصل اليها بعد تفكير طويل، وبالصدفة سهر يونيو هو أيضاً شهر رحيل المفكر الشجاع فرج فوده ، والذي كتب حجازي بعد رحيله قصيدة من أجمل قصائده عنوانها "شفق على سور المدينة"،أقتبس منها نهايتها التي يقول فيها:
أنا أبناءُ أوزوريس!
ما شجَر أفاءَ على ثرى إلا وفيه من أبيهم خفقةُ
ما قصعة للخُبزِ، ما إبريقُ ماءٍ ليس فيه حنَيةُ من ضِلعةُ
أبناءُ أوزوريسَ صاروا لليبابِ
وجُوههمْ، وأكفُهمْ، أهدابُ أعينهمْ، أصابعهم، لحاهُم
خبزهم رملٌ، خُطاهمْ فى الغُدوِ وفى الرواحْ
أبناؤهم وبناتُهم رملٌ مُباحْ !وأنا الذى كحلت عينى من صبا ذات العمادْ
أقلِبُ الطَرْفَ الحسيرَ بها
وأنشجُ ليس تُسعفنى دموعى
فى كل رُكنٍ لى من الذكرى بكاءَ
تحت كلَ شجيرةٍ قبلتَ ورداً ناعماً
وشربتُ كأساً فاغماً
ومشيتُ مختالا يطاوعنى النديم,
ويرتمى زبدُ الليالى خلف أذيالى
وأوغل فى التألق والسطوع
ياليت إنى أستطيعُ
إذن وضعتُ مكان ما ينهارُ من أجرْةٍ أو شُرفةِ
ضلعاً سوياً من ضلوعى
إرمُ التى لم يبن بان مثلها
كانت ولم تَكُ بعدُ عادْ
كانت لفلاحينَ، ملاحينَ، عشاقِ، بناةِ
مُطربين، مؤذنينْ
لا للطغاةِ الهالكينْ
كانت كأن قصيدةٌ خرجت من الكلمات، فهى مدينةٌ
نهرُ يضاجع ربوةً
تنجاب رغوتُه السخية عن حدائقَ ذات أعنابٍ
منازلَ ذات أقمارٍ، مدىكون من الأحلام والرغبات
إيقاعات أجساد مسهدةِ تطير بأمسيات الصيف
حين يطيبُ فى الصيف السهادْ
صرخاتُ ميلادٍ، وأغنيات عرسٍ.
دورة سحرية يتعانق الأحياءُ
والأمواتُ فيها
والأجنةُ والسنونُ الخضرُ والسودُ الشدادَ
إرمُ التى لم يبن بانٍ مثلها
من يفتديها الآن وهى تئن تحت الرمل
من يعطى لسيدة البلاد ذراعهُ؟ من يفتديها ؟دَمُهُ الذى أهُريق فيها
دَمُهُ نهايةُ قاتليه وقاتليها
دَمُهُ ولادتُها الجديدة صرخةُ
طافت على إرم تناديها وتمسح خوفها عنها
وتَمسح عن بنيها
دَمُهُ عبارتُه التى صَدَقتْ فساوت روحَهُ
صارت كلاماً خالقاً
صارت دماً يرفضُ من قلب المداد
ياأيُها الرمل إرتحل!
ياأيُها الرمل إرتحل!
واذهب لشأنك ياجراد !
إرَمُ الجديدة من دم الكُتاب تولدُ
من كلام الشاعر المنفى عنها يومَ عاث بها الفسادُ
وعربدت فيها الطغاة
الآن أصبح للعبارة أن تسير على الشفاه
فتنحني كل الجباه.