بقلم : خالد منتصر
نجوم مسلسل «الاختيار» جميعاً يستحقون التحية والاحتفاء، وعلى رأسهم المخرج بيتر ميمى الذى بذل جهداً فنياً وبدنياً وذهنياً فوق الطاقة حتى خرجت الأجزاء الثلاثة بهذا الشكل الرائع، ولكنى سأتوقف عند اثنين من نجوم هذا العمل، أحمد عز وياسر جلال، والفنان أحمد عز أدى دور ضابط المخابرات بسمت جديد وأداء مدهش متفرد عن كل ما سبق من مسلسلات المخابرات التى كان يظهر فيها الضابط تقريباً بنمط واحد لا يتغير، كانت تغلب عليه الجدية طوال الوقت، سواء خارج أو داخل المكتب، وبالطبع الجدية شىء مهم ومفروغ منه أن عملاً حساساً مثل هذه المهنة أو الوظيفة أو المهمة يتطلب الجدية والحذر، ولكن الضابط فى النهاية إنسان وبشر له جوانب أخرى كان على أحمد عز فى أدائه أن يلبيها ويجسدها، وقد أداها «عز» بشكل جميل وسلس، جمع بين خفة الدم ورشاقة المشاعر وخوف وشجن الابن على أبيه القاضى الجليل كبير السن الذى يحتاج إلى رعايته واهتمامه، كوكتيل مشاعر صعب أن يجمع خيوطها ممثل، لكن أحمد عز عبر هذه الصعوبة وتجاوزها، وكان لديه هذا الترمومتر الداخلى الحساس، فلم يخلط بين خفة الدم والتهريج، ولم يجعل رشاقة المشاعر تجاوزاً، ولم يحوّل شجن الأحاسيس وحب الأب إلى مناحة وميلودراما.
أحمد عز ممثل حفر اسمه فى عالم النجومية بدأب وإصرار ومعافرة، يمتلك حساً كوميدياً بميزان منضبط لا ينزلق إلى اسكتشات الفارس الرخيصة، استطاع خلق مساحة خاصة له لا ينافسه فيها أحد، وتميز فيها وحلَّق بعيداً، هناك النجم وهناك السوبرستار، وأحمد عز صار هذا السوبرستار، أما ياسر جلال فقد أدى أصعب دور فى حياته، لم يحدث فى تاريخ مصر أن أدى ممثل دور رئيس الدولة أثناء حياته بل أثناء حكمه! لكن ياسر جلال تصدى لهذا الدور ببراعة وفهم، وحافظ على الشعرة الرفيعة ما بين التمثيل والتقليد، فهو قد نفذ إلى الروح، والتقط بعض تفاصيل الشخصية التى تساعده على تجسيد الدور، مثل طبقة الصوت وحركة الأصابع ولغة الجسد، وهذا أصعب ما يواجه أى ممثل، كل حرف موزون بميزان الذهب، وكل لفتة عليها مليون عين، عبء نفسى رهيب وصراع مرعب ما بين النفاذ لنواة وجوهر الشخصية والحفاظ على هيبة ومسئولية الرسالة.
كان منحنى الأداء يتطلب قفزات كثيرة من مشاعر إلى مشاعر أخرى ملخصاً حالة الحراك والغليان التى كانت تعيشها مصر، ما بين هدوء فى الحوار مع محمد مرسى المغلوب على أمره والذى يحركه مكتب الإرشاد، ومشاعر كظم الغيظ مع سماسرة دين وحواة سياسة يعرف جيداً أن لا شئ يهمهم إلا الكرسى، ومشاعر غضب بركانى عاصف حين هدد خيرت الشاطر بميليشيات وعصابات المرتزقة، فانتفض من فرط حبه وخوفه على هذا الوطن الذى كان يتمزق بأنانية وعناد تنظيم مستعد لأن تكون مصر جثة بشرط أن يحكمها، تحية كبيرة لأحمد عز وياسر جلال.