بقلم : خالد منتصر
ذكرت السيدة مها عون، ابنة حفيدة عميد التنوير المصرى طه حسين، فى بيانها الذى نفت فيه نية نقل رفاته إلى فرنسا، أن خالها قد قال «إن العميد كرّس حياته لتطوير مصر ولمناصرة حقوق الفقراء والعدالة، والدفاع عن المساواة، حتى زوجته الفرنسية أعادت جواز سفرها للسفارة الفرنسية عندما هاجمت بلادها مصر أثناء العدوان الثلاثى، فكيف «ننفيه» عن بلده؟». وأعتقد أن مشاعر المصريين الجياشة تجاه طه حسين، التى ظهرت فى الأيام الأخيرة ستجعل الدولة تبحث عن مكان يليق باسم وذكرى طه حسين، والاقتراحات التى قدّمت كثيرة سواء من الكتاب والصحفيين وأساتذة الجامعة، ما بين منزله رامتان كما اقترح الصديق وائل لطفى وما بين جامعة القاهرة الجديدة فى أكتوبر، كما اقترح أكثر من أستاذ فى جامعة القاهرة التى شهدت ولادة شهادة الدكتوراه، التى رسم بها طه حسين طريقه التنويرى الذى ترك بصماته على مسيرة العقل المصرى.
ما طرحه البيان يجعلنا نتساءل لو كانت زوجته سوزان بيننا، هل كانت توافق على نقل رفاته إلى بلدها فرنسا؟ الإجابة لا، وهى إجابة بناءً على مواقف وكتابات سوزان نفسها، فلنقرأ ونحكم من مذكراتها، تقول السيدة سوزان عن مشاعرها بعد عدوان ١٩٥٦: «مع أننى فرنسية لم يغير المصريون شيئاً من مواقفهم نحوى، ولم أسمع كلمة جارحة أو عدائية، وكنت أتألم بقسوة من الإساءة التى وجِّهت إلى مصر، وكنت قد حصلت على الجنسية المصرية منذ زواجى وأشعر بأننى مصرية»، ويقول الكاتب الصحفى رجب البنا عن تلك الفترة «هذه السيدة العظيمة الفرنسية كانت ترى نفسها مصرية أيضاً، وارتبطت بالحياة الاجتماعية فى مصر فكانت تشارك فى مؤسسة لرعاية العجزة فى حى شبرا وهى تعبر عن شعورها بالحزن، لأن فرنسا تنحاز لإسرائيل منذ قرار تقسيم فلسطين، وعندما شاركت فرنسا فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 غضب طه حسين، وتعبيراً عن هذا الغضب أعاد الوسام الرفيع الذى كانت فرنسا قد منحته له، وكتبت هى تقول إنها كانت شديدة الغضب وتألمت لاشتراك فرنسا فى العدوان على مصر، وعبرت عن ذلك علناً».
فى الختام اقرأوا ما كتبته هذه السيدة العظيمة عن زوجها وهى فى الثمانين من عمرها، اختارت الظل برغم أنها أديبة وفنانة ودارسة متعمقة للأدب اللاتينى والفرنسى، واكتفت بأن يرى طه حسين بعينيها، استمعوا إلى هذا النفس الرومانسى الجميل وهى تقول بعد رحيله: «كل شىء يختلط، يتشابه، ينتزعنى من الحاضر، أنا ضعيفة إلى هذا الحد، أنا عاجزة عن مواجهة الفراغ والأيام الخوالى، لقد كنت أنت صلابتى.. إننى ألهث.. إننى أتنفس بعمق.. أريد أن أتخلص من الضيق الذى يصيبنى.. ومع توترى أتطلع إلى ما يستحيل الوصول إليه.. تعالَ.. فأنا الآن ضعيفة.. وأنا على نهاية الطريق الطويل الذى سرنا فيه معاً وحدنا.. أحملك فىّ.. أحبك.. لن أقول لك أبداً وداعاً.. فأنا أملكك وسأملكك دائماً».