بقلم : خالد منتصر
ما يحدث يوم امتحان الفيزياء كل عام داخل لجان الثانوية العامة وعلى أبواب المدارس وفى البيوت بات صداعاً مزمناً وحالة مستعصية على العلاج، هستيريا جماعية وصلت لحد أن سيارات الإسعاف تقف على أهبة الاستعداد فى هذا اليوم العصيب الذى أصبح وكأنه يوم الحشر العظيم، وصرنا ننتظر نفير الحرب ونُذر الدمار كلما اقترب يوم الفيزياء! ما الذى حدث؟ ما سر كل هذا الرعب؟ وهل ستنضم فوبيا الفيزياء إلى قائمة الأمراض النفسية مثل فوبيا الأماكن العالية والمغلقة؟!
عندما ينظر طالب الثانوية حوله سيجد أن أيادى علم الفيزياء البيضاء فى كل مكان، تمتعه وتسهل له حياته، بداية من الكمبيوتر والموبايل وحتى جهاز الليزر الذى يعالج عيوب نظره أو المنظار الذى يشخص ويعالج عبر ثقب بسيط دون الحاجة إلى شق البطن أو الظهر، الراديو والتليفزيون والكهرباء والبلايستيشن والترانزستور والثلاجة والميكروويف... إلخ، تقريباً كل شىء فى حياتك هو هدية من علم الفيزياء، فلماذا تكرهها إلى تلك الدرجة؟ لماذا تحب مشاهدة التليفزيون واللعب على الكمبيوتر وتكره النظريات التى صنعت التليفزيون والكمبيوتر؟ لماذا تحب استهلاك الأشياء وتكره فهمها؟ إذاً السر فى كراهيتنا للخيال الذى هو سر وعماد الفيزياء، وكما قال أينشتين عمدة الفيزيائيين إن ما ينقصنا ليس المعرفة بل هو الخيال، نحن نعانى من أنيميا الخيال، وطريقة تعليم الفيزياء لا تساعد على بناء وتنمية هذا الخيال، أنت كطالب لا ترى الذرة ولا الإلكترون ولا النيوترون، ولكن مطلوب منك أن تتخيل وترسم صورتها فى ذهنك، وبالطبع أنا لا أتكلم عن فيزياء الكم مثلاً التى وصل فيها جموح الخيال إلى أعلى سقف، أنا أتحدث عن مستوى الفيزياء التى تدرس فى الثانوية العامة، ومنهجها ليس سيئاً وليس هو المشكلة ومعلوماته مطلوبة بشدة، لكن المشكلة هل الطالب يملك خيالاً يساعده على تحويل ما يحفظه صم إلى منظومة مفهومة فى مخه عبر التخيل، هل نحن قمنا بتغذية تلك القدرة التخيلية عنده؟ للأسف لا، الحل لا بد من أفلام أنيميشن تنتجها وزارة التربية والتعليم على مستوى الأفلام العلمية التى نشاهدها فى قنوات ديسكفرى والمنصات العلمية التى تبسط العلوم وعلى رأسها علم الفيزياء.
الفيزياء هى الطبيعة، يعنى هى كل ما حولنا، وإن لم نفهمها سيظل ما حولنا مبهماً وسنظل مثل أى كائن حى فى أى غابة، يأكل ويتناسل فقط، غير عابئ أو مهتم بما حوله فى هذه الغابة، كيف يحدث ولماذا يحدث؟ سر تميز جنس الإنسان هو محاولاته لفهم تلك الطبيعة وفك رموزها، وهذا ما حدث من خلال علم الفيزياء، لذلك فكراهية الفيزياء هى كراهية للفهم والكشف، كراهية للحياة والطبيعة، كراهية للنفس، تنتج مشوهين عقلياً ونفسياً، لا يجدون بعد كراهية الفيزياء منفذاً إلا كراهية الحياة نفسها وتدميرها، التصالح مع الفيزياء صار قضية حياة أو موت قبل أن يكون مشكلة يوم امتحان، يوم أن يشعر الطالب عندنا بلذة ونشوة حل معادلة فيزيائية أو التوصل لفهم سر ما يحدث فى كل ما يتعامل معه من أدوات حديثة، يوم أن نكون قد طرقنا باب الحضارة والحداثة بجد، يوم أن تمتلئ رأس الطالب بأسئلة مؤرقة عن أسرار الطبيعة، يوم أن نكون قد وقفنا كتفاً بكتف أمام العالم لنقول بكل ثقة: نحن هنا.