الرحلة التي صنعت علم البيولوچي المعاصر

الرحلة التي صنعت علم البيولوچي المعاصر

المغرب اليوم -

الرحلة التي صنعت علم البيولوچي المعاصر

خالد منتصر
بقلم : خالد منتصر

كانت جزر الجالاباجوس التى وصل إليها «داروين» بسفينة البيجل التى بدأت فى يوم 27 ديسمبر 1831 واستمرت رحلتها خمس سنوات، هى أجمل معمل تطور فى العالم، وهى جزر معزولة فى المحيط الهادى على بعد 650 ميلاً من السواحل الغربية للإكوادور، وجد فيها «داروين» علامات استفهام استفزت عقله الفضولى، أربعة عشر نوعاً من العصافير بمناقير مختلفة، منها المناسب للبذور الصغيرة، ومنها المناسب للبذور الكبيرة ومنها ما يلتقط الحشرات.. إلخ.

وقد وجد حيوانات متفردة ومميزة فى هذه المنطقة المعزولة التى لم تصل إليها بالقطع سفينة نوح، بل المدهش أنه فى كل جزيرة حيوان مختلف عن الجزيرة الأخرى، فعلى سبيل المثال: فى الجزر التى لا توجد بها إلا النباتات المرتفعة كانت السلحفاة تمتلك فتحة فوق الرقبة فى ظهرها الصلب تمكّنها من قطف أوراق تلك النباتات.

وكان السؤال: كيف وصلت تلك الحيوانات إلى تلك الجزر المهجورة؟! وقد وجد أيضاً أصداف بحر فى الجبال ما أثار سؤالاً حول ماضى هذه الجبال التى كانت غارقة فى البحر! ووجد كذلك هيكلاً ضخماً لآكل نمل قديم يكاد يكون متطابقاً مع آكل النمل الحديث صغير الحجم، ورأى قرب القطب الجنوبى بشراً يسيرون عراة فى الصقيع دون أى معاناة، ووجد فى جالاباجوس سلوكيات غير مألوفة، مثل ثعالب أليفة وإوز لا يطير وطيور لا تخشى الإنسان!!

حاول سكان تلك البلاد تقديم تفسيرات أسطورية ميسورة جاهزة لداروين ولكنه كان مريضاً بداء الفضول العلمى وعدم قبول الأفكار الجاهزة وتصديقها لمجرد أنها أفكار قديمة مقدسة، فحين وجد عظاماً ضخمة فى سهول أمريكا الجنوبية وحاول إيجاد علاقة بينها وبين حيوانات الزمن الحالى صغيرة الحجم، قال له السكان هناك إن عظام الحفريات تكبر بعد موتها وإن الأنهار تحول العظام الصغيرة إلى ضخمة!!

سأل نفسه: لماذا لا أجد حفريات لثدييات ومنها الإنسان فى الطبقة الأقدم التى وجدت فيها حفريات زواحف؟ لماذا هذا الفصل الحاد فى طبقات الحفريات إذا كانت كل تلك الحيوانات قد خُلقت فى الزمن نفسه؟ لماذا الشبه بين جناح الطيور وأصابع الثدييات؟ لماذا تغير الحصان من ذى الأصابع الخمسة إلى صاحب الحافر؟ لماذا يمتلك الثعبان أرجلاً ضامرة ولماذا يمتلك الإنسان زائدة دودية كل وظيفتها الحالية أن تنفجر وتودى بحياة صاحبها إذا لم يُسعف فوراً!! تجمعت الأدلة والشواهد على تأكيد أكبر ثورة فكرية فى التاريخ، ثورة التطور التى تحولت من نظرية إلى فلسفة.

وإذا كانت مقولة إن الأرض ليست مركز الكون، بل هى مجرد كوكب تابع لنجم من ملايين النجوم التى تضمها مجرة من ضمن ملايين المجرات التى تسبح فى الكون، قد أدت إلى اضطهاد كوبرنيكوس وحرق الراهب برونو وسجن جاليليو كسيحاً أعمى، فما المصير الذى سينتظر من قال إن الإنسان مجرد حلقة فى سلسلة التطور مُعارضاً نظرية الخلق المستقل المكتوبة فى التوراة!!

إنها إهانة من «داروين» للإنسان محور الكون والأهم من كل الكواكب والمجرات والنجوم التى خُلقت من أجله هو فقط، فكيف سيكون الضفدع والفأر والسحلية والخفاش من شجرة العائلة؟ وكيف سيكون القرد من أبناء عمومتى؟!

هذا السؤال الاستنكارى هو الذى جعل «داروين» يؤجل نشر كتابه أكثر من عشرين عاماً، جر الإنسان من صفوف الملائكة لوضعه فى طابور الوحوش والقرود سيصدم الإنسان ويخدش غروره، ولكن ما شاهده «داروين» فى رحلة سفينة البيجل جعله على يقين بأن التطور حقيقة دامغة.

والدلائل التى دوّنها فى كتاب «أصل الأنواع» هى شفرة الفهم الجديد لسر الحياة ونشوء الكون وتطور الكائنات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرحلة التي صنعت علم البيولوچي المعاصر الرحلة التي صنعت علم البيولوچي المعاصر



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib