دروس «جاليليو»

دروس «جاليليو»

المغرب اليوم -

دروس «جاليليو»

خالد منتصر
بقلم:خالد منتصر

صدق برتراند راسل عندما قال: «كل النعم التى نعيشها الآن هى بفضل جاليليو»، لذلك كانت محاكمته أهم سطر فى كتاب تاريخ العلم، المحاكمة كانت على كتابه الحوار، والتهمة كانت الترويج لنظرية كوبرنيكوس بأن الشمس هى المركز، وأن الأرض هى التى تدور حولها وليس العكس.

ورغم أن كتاب جاليليو كان عبارة عن حوار بين النظامين، كوبرنيكوس وبطليموس، وقد راعى فيه التوازن بين الرأيين، واختبأ خلف السطور ولم يعلن رأيه صراحة، بل جعل النظريتين أو النظامين أمام القارئ وهو الذى يختار وينحاز تبعاً لاقتناعه وطبقاً لقوة حجة صاحب النظرية.

وهنا الدرس الأول المستفاد من تلك المحاكمة، فالكهنة الذين كانوا على المنصة، ورجال الدين الذين حاصروه بالاتهامات والذين ما زال لهم أحفاد عندنا يحاصروننا، أحفاد غيروا الرداء فقط، ولكنهم لم يغيروا الفكر، الدرس هو أنهم سيتربصون بك ويفتشون فى نيتك حتى لو كنت محايداً، فهم لا يريدون الرأى الآخر وينزعجون من مجرد طرحه، ولأن فكرتهم هشة ومنطقهم متهافت فهم يخافون ويرتعبون من المنطق العلمى، لذلك نجد حرباً ضروساً حتى فى علوم الدين ضد كل من يطرح آراء الفقهاء كلها ولا ينحاز لرأى محدد مسبقاً.

الدرس الثانى هو اعتبار العلم خصماً للدين، مكاسبه هى انتقاص من الدين، هوجم جاليليو فى تلك المحاكمة بضراوة على تلك النقطة، واعتبروه متعالياً عليهم بالعلم الذى يملكه، فالنص المقدس أو بالأصح تفسيرهم للنص المقدس يتماشى مع بطليموس وأرسطو، وهو التفسير المعتمد من الكنيسة آنذاك، لأن مركزية الأرض تعنى مركزية الإنسان.

ولن يسمح لجاليليو أن يخدش كرامة تلك المركزية الإنسانية، صدمهم جاليليو عندما أثبت لهم أن البديهى عندهم أو ما يتصورونه بديهياً ليس هو على الدوام الحقيقى والصادق، فالبديهى عندهم هو أن الجسم الأثقل يهبط أسرع، لكن بالتجربة أثبت لهم جاليليو كذب وتهافت بديهيتهم.

وكان الفيصل هو التجربة العلمية التى صارت عدوة لهم، تعريهم وتكشف خرافاتهم، قال لهم جاليليو المؤمن والذى لم يكن ملحداً، العلم عندى هو أقرب الطرق لحب الله ومعرفته، لكنهم كانوا يكرهون جاليليو ليس بسبب العلم، ولكن بسبب أنه سيسحب البساط من تحت البيزنس الدينى ويغلق بازاراتهم التى يبيعون فيها فدادين الجنة للمخدوعين.

الدرس الثالث كان مفاجأة، فقد كان البابا فى روما مؤيداً لرأى جاليليو، وهو الذى نصحه بتقديم الرأيين وعدم الإعلان عن نفسه، ووعده بأن يحميه ويدعمه، ولكن كل هذا كان فى الغرف المغلقة، وعندما خرج إلى النور، خذله البابا، وتم تسليمه إلى السجن، وإجباره على إنكار فعلته والاعتذار للكنيسة، ولكن الزمن أنصف جاليليو، ووقف البابا المختلف بعد قرون والذى غيرته وشكلته الحداثة العلمية الجديدة، وقف أمام الدنيا ليعتذر للعالم العجوز الذى أهين وضاع بصره ومرغت سمعته فى التراب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس «جاليليو» دروس «جاليليو»



GMT 13:57 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

محاصر بين جدران اليأس !

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

«مسار إجبارى».. داش وعصام قادمان!!

GMT 10:52 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الفوازير و«أستيكة» التوك توك

GMT 10:49 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

الأخلاقى والفنى أمامنا

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 آذار/ مارس

ذكرى عودة طابا!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:55 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

رامي صبري يكشف أمنيته في العام الجديد
المغرب اليوم - رامي صبري يكشف أمنيته في العام الجديد

GMT 15:40 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات عن إنتاج الخام الأمريكي

GMT 15:58 2022 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهم اليابان تحقق مكاسب طفيفة بتأثير من مخاوف رفع الفائدة

GMT 21:29 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

الأمن المغربي يطيح بسارق وكالة بنكية في مدينة فاس

GMT 04:02 2022 الأحد ,16 كانون الثاني / يناير

الرجاء المغربي يقدم عرضا رسميا لضم اللاعب حمزة خابا

GMT 20:31 2021 الجمعة ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الإصابة تُبعد نوير عن مواجهة رومانيا في تصفيات المونديال

GMT 02:28 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 11 شخصًا إثر أعمال عنف في ساحل العاج

GMT 13:09 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الرحلات البحرية من المغرب إلى إسبانيا‬

GMT 00:29 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيقات في المغرب تكشف تورط "راق شرعي" في جريمة زاكورة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib