علينا جميعًا أن نتعب ونجتهد لتحقيق نتائج لمصلحة بلدنا مصر، وبالتالى لنا كشعب يعيش على خيرات هذا البلد الفريد. اتفقت وزارة السياحة والآثار مع وزارة الخارجية و«مصر للطيران» على وضع برنامج لتشجيع السياحة إلى بلاد البلطيق والعاصمة كوبنهاجن. أما الأشخاص فكانوا من وزارة السياحة، الدكتور محمد الشربينى، ومن الخارجية، السفير هيثم كمال، سفير مصر في فنلندا، وتقع تحت إشرافه مدينة تالين، والسفير أحمد عادل، سفير مصر في السويد، وتفع تحت إشرافه مدينة ريجا التابعة إلى لاتفيا، والسفير محمد كريم شريف، سفير مصر في كوبنهاجن، وتتبعه مدينة فيلنيوس- ليتوانيا، وكاتب هذه السطور، ومهمتى هي إلقاء محاضرة في كل مدينة، بالإضافة إلى لقاء الشركات التي تروج للسياحة إلى مصر، وعمل لقاءات تليفزيونية وصحفية وإذاعية، وصل عددها في كل المدن إلى 22 لقاء، ولنا أن نتصور أن مصر لم تدفع أي شىء، بل تكفل بمصاريف الرحلة العديد من شركات السياحة.
ومما لا شك فيه أن أي موضوع يُنشر عن مصر ومقاصدها السياحية يُترجم تلقائيًّا إلى وفود كثيرة تأتى من تلك الدول، وخاصة لأن السائح من هذه الدول يصرف أكثر من أي سائح آخر. وبالطبع كانت الرسالة التي نبلغها هي أن مصر أمان، وأن مصر ترحب بكل زائر، وأن حكومة مصر تقوم حاليًا بعمل أهم مشروع ثقافى في القرن الواحد والعشرين، وهو المتحف المصرى الكبير، وإعادة صياغة المنطقة الواقعة أمام المتحف، وتطوير منطقة الهرم، وربط كل هذا بمطار سفنكس الجديد.
وصلنا إلى كوبنهاجن على متن رحلة مصر للطيران، وبصحبتى الدكتور محمد الشربينى، من هيئة تنشيط السياحة، وذلك بدعم من وزير السياحة والآثار، أحمد عيسى، وكان في استقبالنا بالمطار السفير المحترم النشط، محمد كريم شريف، وقمنا بالسفر إلى مدينة تالين، وهى مدينة جميلة، بها منطقة قديمة ذات تاريخ عريق.
كان في استقبالنا السفير هيثم كمال، سفير مصر في فنلندا، وقد تم ترتيب جولة في المدينة، بالإضافة إلى مقابلة العديد من رجال الإعلام سواء الصحافة أو الإذاعة والتليفزيون والحديث عن الاكتشافات الأثرية التي حدثت في مصر، وكذلك الاكتشافات التي سوف تحدث في نهاية عام 2023 وعام 2024. وكان السفير هيثم كمال والدكتور محمد الشربينى يحضران هذه اللقاءات، ويقومان بالرد على الأسئلة التي تتعلق بتأشيرات الدخول إلى مصر (الفيزا) وكل ما يخص السياحة في مصر. ومن أهم ما قمنا بزيارته في مدينة تالين هو مبنى يُعرف باسم مبنى جامعة الرؤوس السوداء، وهو مبنى تاريخى يقع في قلب المدينة، ويُنسب إلى جماعة عُرفت بنفس الاسم. وكانت عبارة عن جمعية من التجار وأصحاب السفن الأجانب الذين استقروا في تالين.
وتشير العديد من الكتابات إلى أن جماعة الرؤوس السوداء قد تكونت في عام ١٣٩٩م. وقد سُميت على اسمى القديس موريس، وهو شهيد مسيحى تم تصويره على أنه فارس، وتم ذكر اسم المجموعة لأول مرة في المصادر المكتوبة عام ١٤٠٠م، بينما تأسست كمنظمة عسكرية، ولكن بعد ذلك أصبحت جمعية اجتماعية، وفى عام ١٥١٧م استحوذت الجماعة على المبنى الذي أصبح يُعرف باسم منزل الرؤوس السوداء، باعتباره مقرًّا ومركزًا للقاءاتهم. والمبنى يتميز بزخارف جميلة وتماثيل معقدة، من بينها تمثال القديس موريس، الذي أصبح رمزًا لهم، وهو منحوت في الخشب والحجر فوق الباب. وأصبح المبنى بعد ذلك بمثابة مكان لإقامة حفلات الاستقبال والمآدب المهمة، حيث يستضيف العديد من كبار الشخصيات والأجانب. وتغير المشهد، بعد أن استولت الإمبراطورية الروسية على تالين، وتم حل الجماعة، ومصادرة أملاكها، وتوقفت الأنشطة.
وأقام في المبنى الإمبراطور ألكسندر. وتعرض هذا المكان الجميل للتدمير خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد أن استعادت استونيا استقلالها في عام ١٩٩١م، أُعيد بناء هذا المنزل الجميل مرة أخرى.
فى اليوم التالى، قام السفير هيثم كمال بإعداد لقاء لنا مع المسؤولين عن السياحة في المدينة. ودعاهم إلى حضور المحاضرة. وفى المساء قمت بإلقاء محاضرة عن الاكتشافات الأثرية التي قمت بها. وبعد ذلك قمت بالرد على أسئلة الحاضرين. ومن الغريب أن كل الحاضرين أرادوا التصوير معى، وقام فريق الإعداد للمحاضرة بترتيب ذلك، والتوقيع على بعض الكتب التي كانت مع الحضور.
بعد ذلك سافرنا بالطائرة إلى بلدة ريجا بلاتفيا، وعند الوصول كان هناك ترتيب على مستوى عالٍ من الإعداد قام به الدكتور الشربينى، وأولجا من شركة سياحية عالمية اشتركت معنا في التسويق لمصر، وقد قابلت أيضًا العديد من الصحفيين المهمين بالمدينة. وقد بدأ النشر على مستوى عالٍ وفى المقالات التي وصلتنى إلى الآن أستطيع أن أقول إن هذه القوافل السياحية هي دعاية ضخمة بالمجان للسياحة إلى مصر، وذلك لأننا نقابل كل مَن في المدينة سواء شركات السياحة أو المجتمع ككل من خلال الصحافة، وبعد ذلك المحاضرة، ورغم أن ذلك يُشكل ثقلًا كبيرًا علىَّ، وأقوم به بلا مقابل خدمة للوطن الذي أعطانى الكثير، فإننى مستعد لخدمة بلادى دائمًا.
وقد قام السفير أحمد عادل بإعداد لقاء مع السفيرة حنان العليلى، سفيرة الإمارات في ريجا، عميدة السلك الدبلوماسى، والتى تحظى باحترام شديد بين سفراء الدول المختلفة، وكان معنا في اللقاء زوجها الجميل، «محمد»، وكان لقاء لطيفًا جدًّا، وسعدت كثيرًا بوجود خير مَن يمثل المرأة العربية في هذه البلاد البعيدة.
وقد تأسست ريجا- لاتفيا، وهى المدينة الأكثر عالمية في دول البلطيق، في عام 1201م، وهى متطابقة بين الهندسة المعمارية في العصور الوسطى والمعاصرة. وأصبحت ريجا ضمن أفضل مجموعة في العالم من art،nouveau وعلى الرغم من أن لاتفيا دولة صغيرة تقع على بحر البلطيق، فإنها تتمتع بتقاليد قديمة، وتاريخ طويل يعود إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث كانت أراضى لاتفيا الحديثة مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، مع وجود أدلة على وجود مستوطنات يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ. وشهدت حكم مختلف القوى في العصور الوسطى، بما في ذلك النظام الليفونى والإمبراطورية السويدية والكومنولث البولندى. كما أنه في القرن الثامن عشر أصبحت لاتفيا جزءًا من الإمبراطورية الروسية. وأعلنت استقلالها عام 1940، ثم دُمجت في الاتحاد السوفيتى حتى إعلان استقلالها في 21 أغسطس 1991.
أما المدينة الجميلة ريجا، فقد تم تشييد المبانى بها من قِبَل الحرفيين والفنانين، وتُعد المدينة مثالًا ونموذجًا للمدن التي تقوم ببناء السفن، كما توجد بالمدينة أنواع مختلفة من المبانى التي تعود إلى فترات مختلفة من التاريخ. وتضم أكثر من 500 مبنى على أنماط معمارية مختلفة: الرومانية، القوطية الأسلوبية، الباروكية، الانتقائية، والحداثة. وتكتمل القيمة العالمية المتميزة لريجا في البانوراما الفسيحة لمركز ريجا التاريخى، الذي يرجع تاريخه إلى القرون الوسطى على الضفة اليمنى لنهر داوجافا، مما يسمح بإطلالة على أفق مشبع بالعديد من أبراج الكنائس، والمبانى التاريخية، فضلًا عما كان لـ«ريجا» من دور في التنمية الثقافية والعلمية والاجتماعية والفنية والصناعية والتعليمية للمنطقة، باعتبارها واحدة من كبرى مدن الموانئ والمراكز التجارية في منطقة بحر البلطيق.
في عام 1967 تم الاعتراف بالمدينة القديمة لـ«ريجا» كمنطقة محمية وطنية، ومنذ عام 1997 تم إدراج المركز التاريخى لمدينة ريجا ضمن قائمة التراث العالمى لليونسكو. وفى عام 2007 وبفضل المناظر البانورامية والصورة الظلية للمدينة القديمة، حصلت ريجا على علامة التراث الأوروبى. قمت بالانتهاء من المقابلات الصحفية قبل المحاضرة بساعة واحدة، حيث تم عقد مؤتمر صحفى كبير حضره العديد من ممثلى الصحافة والتليفزيون والإذاعة بالمدينة. وبعد ذلك سافرنا إلى مدينة فلينيوس، عاصمة ليتوانيا، وقد حضر السفير محمد كريم شريف إلى المدينة لأنها تقع تحت إشراف السفارة في الدنمارك. وفلينيوس من أقدم المدن في منطقة البلطيق، ويعود تاريخها إلى أوائل العصور الوسطى عندما كانت مستوطنة صغيرة في القرن 14 الميلادى، وتحكمها دوقية لتوانيا الكبرى، وأعلنت ليتوانيا استقلالها عن الإمبراطورية الروسية عام ١٩١٨م. وظلت تحت حكم الاتحاد السوفيتى حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية. واستقلت عام ١٩٩٠م لتصبح أول جمهورية سوفيتية تعلن استقلالها، ويتم الاحتفال بهذا الحدث باعتباره عيد استعادة الاستقلال، وخلال القرن السادس عشر شهدت فلينيوس فترة من الازدهار الثقافى والاقتصادى. وأصبحت مركزًا مهمًّا للفنون والعلوم، حيث تأسست جامعة فيلنيوس عام ١٥٧٩م. وأصبحت بعد ذلك عاصمة أوروبية نابضة بالحياة، ومعروفة بهندستها المعمارية التاريخية، والأحداث الثقافية. وفى عام ١٩٩٤م تم إدراج المدينة موقعًا للتراث العالمى لليونسكو. وتقديرًا لقيمتها العالمية. كما تم الاعتراف بها كواحدة من أجمل المدن في القارة القديمة التي تضم مدينة قديمة على الطراز الباروكى في أوروبا الشرقية بأكملها.
وقد زرت متحف المدينة، وهو عبارة عن متحف صغير توجد به مومياء وبعض الآثار من أوانٍ فخارية وتماثيل الأوشابتى، وقمت بإلقاء المحاضرة والإجابة عن الأسئلة وكذلك التصوير مع كل الحاضرين.
وسافرنا إلى كوبنهاجن آخر محطة لنا ومعنا السفير محمد كريم شريف. وقد تم ترتيب كل اللقاءات الصحفية التليفزيونية داخل المتحف القومى الذي توجد به مجموعة رائعة من الآثار المصرية، وقد قاموا بإعداد معرض رائع عن فترة العمارنة، واستعاروا العديد من القطع الأثرية من المتاحف الأوروبية ومتحف المتروبوليتان. وفى اليوم التالى قام السفير بعمل حفل استقبال جميل حضره العديد من المثقفين وعلماء المصريات والسفراء، ومنهم السفير السعودى والسفير العراقى، وألقى السفير كلمة يرحب فيها بالحاضرين وتحدثت معهم عن مصر وجمال مصر.
وقام هشام حنفى، مدير «مصر للطيران» بكوبنهاجن، بعمل حفل داخل مكتب مصر للطيران حضره كل الوكلاء الذين يقومون بالتسويق السياحى لمصر، وخاصة لـ«مصر للطيران»، وهشام حنفى الذي قضى ثلاث سنوات بالمدينة ويقوم بعمل عظيم جدًّا في الدعاية للشركة، حتى إننا نجد كل رحلات مصر للطيران كاملة العدد. وقمت بعد ذلك بإلقاء المحاضرة داخل الجامعة، وقد كانت القاعة كاملة العدد، وقام الخبير السياحى، الدكتور محمد الشربينى، بعمل حفل استقبال جميل يضم الأكلات المصرية الشهيرة. وأقول في النهاية إن الجميع قاموا بمجهود كبير جدًّا في سبيل نجاح حملة تنشيط السياحة. وبلا شك أن كل ذلك لا يمكن أن يتم دون التشجيع والقرارات التي اتخذتها الوزارات المعنية، وعلى رأسها وزارة الخارجية، وتشجيع ومتابعة من وزير الخارجية سامح شكرى، ووزير السياحة والآثار أحمد عيسى.
سوف يظهر نجاح هذه الحملة الترويجية قريبًا في السوق السياحية لمصر، والتى بدأت تشهد طفرات حقيقية نتمنى أن تحقق بها مصر المكانة الطبيعية لها بين أجمل وأعظم المقاصد السياحية في العالم.