يعتبر الموسم السياحى ٢٠٢٢- ٢٠٢٣ موسم خير لمصر وللمصريين لأن عدد السائحين وصل إلى أكثر من ١١ مليون سائح خلال هذا العام، وهو رقم لم نشهده منذ عام ٢٠١٠. وأهم ما يميز الموسم السياحى الحالى نوعية السائح، حيث ازداد عدد السائحين الأمريكيين لمصر، وهم نوعية من السائحين يزيد التركيز عليها. وتعتبر السياحة مصدرا مهما جدا للدخل القومى، بل وهى مصدر رزق لملايين الأسر المصرية. أما عن السبب الأساسى فى تدفق السياحة على مصر فهو إعلان السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، أن مصر قضت على الإرهاب تماما. إن أى أجنبى يعرف جيدا الأهرامات وتوت عنخ آمون والمومياوات. وأمل كل إنسان فى الدنيا هو أن يأتى اليوم الذى يزور فيه مصر. لكن هناك خوفا دائما لدى الأجانب من أن مصر غير آمنة وهو يعتقد أن أى قلاقل فى أى بلد عربى هى قلاقل فى مصر، لأن خريطة الشرق الأوسط ليست واضحة لهم، وكثير منهم من يعتقدون أن الشرق الأوسط حدود واحدة تشمل مصر! لذلك فإن أهم ما يجب أن نركز عليه فى الدعاية لمصر هو أن نؤكد أن مصر آمنة. وأحرص دائما فى محاضراتى فى مدن وعواصم أوروبا وأمريكا واليابان على عرض صور من حفلات ديور فى الأهرامات وستيفانو ريتشى فى الدير البحرى لكى أؤكد أن مصر آمنة.
أعود إلى عنوان هذا المقال، وهو، بلا شك، عنوان صادم!، لكن للأسف فإن السياحة هى عدو الآثار، وهذه حقيقة. ومنذ عام ٢٠٠٨ وما بعده وأنا أواظب على المشاركة فى المؤتمرات التابعة لليونسكو ومنظمة السياحة العالمية، وأقول فى كل مؤتمر إن السياحة عدو الآثار، ولذا فعلينا أن نوفق بين السياحة كمصدر مهم للدخل القومى وبين الآثار كتراث مهم لكل الشعوب، لكن كيف يتم التوفيق بينهما كى تصبح السياحة صديقة للآثار؟، أذكر أن عالمة آثار أمريكية، كانت ترافق فوجا أمريكيا من أحد المتاحف، جاءت لمقابلتى، وقالت لى بالحرف الواحد إنها تخاف على الآثار لأن أعداد السائحين هذا الشهر (إبريل الماضى) زادت بنسبة كبيرة، ولاحظت أن بعض السائحين داخل المعابد والمقابر يأتون بأفعال تؤذى الآثار مثل لمس المناظر والرسومات واحتكاك شنط الظهر بجدران المقابر والمعابد المنقوشة، والتصوير بالفلاش بكاميراتهم وتليفوناتهم المحمولة، وكذلك دخول أعداد كبيرة داخل المقابر؟! وهناك سبب آخر دفعنى لآن أكتب هذا المقال هو إعلان الوزير أحمد عيسى، وزير السياحة، أن عدد السائحين لمصر سوف يصل، فى الأعوام القادمة، إلى ٣٠ مليون سائح. وبلا شك فإن كل المصريين يريدون التوفيق للوزير النشط الذى يستطيع بالفعل أن يصل إلى هذا العدد. ولكن أرجو أن نقوم، خلال السنوات القادمة، بتجهيز البنية الأساسية للسياحة أولا، والحفاظ على الآثار ثانيا. أما بالنسبة للسياحة فيجب زيادة أعداد الفنادق بمختلف درجاتها فى الأقصر وأسوان وغيرها من المدن التى يتواجد فيها السائح. ويجب أيضا أن نهتم بالطريق الغربى، وأن تكون هناك طرق تربط الطريق الغربى بكل مواقع الآثار بدءا من بنى سويف وحتى أبوسمبل. وأن يتم بناء موتيلات على طول هذه الطرق، وكذلك فى المدن السياحية مثل بنى سويف والمينا وسوهاج وقنا وغيرها، وهناك مثال لفندق واحد موجود فى عرابة أبيدوس بجوار معبد الملك سيتى الأول، ودائما تجد هذا الفندق كامل العدد. وأيضا لابد أن نصرح لشركات الطيران الخاصة بنقل الركاب بين القاهرة والمدن السياحية. ولابد أن نؤكد ضرورة وجود طائرة كل ساعتين، ولا أنسى فى عام ٢٠١٠ عندما زار عدد كبير من السائحين مصر وكانوا ينامون فى المطارات لساعات طويلة لعدم وجود طائرات تنقلهم إلى وجهاتهم، وحدث فى ذلك الوقت تكدس وشكاوى سلبية تعوق السياحة، ولا نريد بالطبع أن تتكرر هذه المأساة. وهناك ضرورة أن تعلن وزارة السياحة عن وجود خطة لديها لمواجهة زيادة أعداد السائحين.
أما بخصوص الحفاظ على الآثار، فأنا أرى ضرورة عمل وتنفيذ مشروعات لإدارة المواقع الأثرية. وهناك مشروعات تحدث بالفعل فى مناطق عديدة، لكن بالنسبة لزيارة المعابد لابد من عمل حرم آمن داخل المعابد يفصل بين الزائر والجدران المنقوشة والملونة، هذا الحرم يتم تنفيذه باستخدام ألواح البليكسى أو حتى باستخدام الحبال لحين تركيب ألواح البليكسى. وفى نفس الوقت فإن هناك عجزا شديدا فى عدد الحراس وأفراد الأمن القادرين على تنظيم دخول السائحين للمعابد وتحديد عدد الزوار داخل المعابد والمقابر، بحيث يدخل عدد معين كل ساعة، والعمل على ألا يستمر الفوج مدة طويلة داخل المكان.
أصبح موضوع إدارة المواقع الأثرية مهما وضروريا فى العديد من مواقع الآثار ويتم التخطيط له وتنفيذه بالمملكة العربية السعودية، بل وعلمت أيضا أن العراق فى طريقها لتطوير المواقع الأثرية التى دمرت خلال الحرب.
كان هناك مشروع لوادى الملوك هدفه حماية المقابر، ولذلك بدأنا فى ٢٠١٠ بالاتفاق مع جمعية خاصة بسويسرا تهدف إلى حماية المقابر الأثرية. واتفقنا أن هناك ثلاث مقابر هى الأجمل بين مقابر وادى الملوك والملكات، وهذه المقابر مقبرة توت عنخ آمون، ومقبرة الملك سيتى الأول، ومقبرة الملكة نفرتارى أجمل وأهم مقبرة فى العالم كله، وهنا سوف أقص عليكم حكاية حدثت منذ شهور قليلة، وأنا أقف أمام مقبرة الملكة نفرتارى بوادى الملكات ووجدت سيدة إنجليزية تخرج من المقبرة وهى تبكى بصوت عال وجرينا جميعا لكى نعرف سبب بكائها كى نساعدها فى محنتها واكتشفنا أنها تبكى بصوت عال من جمال المقبرة!. واتفقنا مع الشركة السويسرية المتخصصة أن يتم عمل نموذج طبق الأصل لكل مقبرة من هذه المقابر باستخدام تقنية التصوير والطباعة المجسمة باستخدام الليزر. وهذه النماذج لا يمكن أن يستطيع أى شخص أن يعرف الفرق بين الأصل والصورة. ويكون الأصل متاحا فقط للزيارات الخاصة وللمتخصصين. وسبب عمل هذه النماذج هو أن العلماء قد أعلنوا أن هذه المقابر معرضة لخطر الفناء تماما خلال أقل من مائة عام!، ولذلك لابد من أن نعمل من أجل مستقبل هذه المقابر، أى يتم عمل نماذج للمقابر الثلاث، وتوضع بجوار منزل هيوارد كارتر بالبر الغربى، بعدها تغلق المقابر الأصلية تماما، وتفتح المقلدة. وطبقت الفكرة بالفعل فى فرنسا حيث قاموا بإغلاق كهف لاسكو وعملوا نموذجا يزار بالملايين. وحافظ الفرنسيون على الموقع الأصلى الذى أغلق تماما أمام السياحة.
تم الانتهاء بالفعل من عمل نموذج لمقبرة توت عنخ آمون وموجودة حاليا فى الموقع المخصص للنماذج ويزوها حاليا العديد من السائحين، وتم الانتهاء من نموذج مقبرة الملك سيتى الأول، وسمعت أن هناك اتجاها لوضعها فى المتحف المصرى الكبير، وهذا خطأ فادح لأن المقبرة المقلدة يجب أن توضع بجوار مقبرة الملكة نفرتارى حتى يمكن أن نضع المقابر الثلاث إلى جوار بعضها البعض، على أن يتم إغلاق المقابر الأصلية، ويمكن أن نسمح بدخول المقابر الأصلية للزائر بعد دفع ألف دولار للتذكرة الواحدة، وبالتالى نسمح بدخول عدد قليل لا يؤثر سلبا على المقابر، ونحقق دخلا كبيرا يسهم فى الإنفاق على حماية المقابر والمعابد.
كان من المخطط بناء مركز للزوار فى الناحية الجنوبية من منزل هيوارد كارتر، مهمته الحفاظ على البر الغربى، وأن يتم حجز زيارة المقابر بوادى الملوك والملكات والنبلاء، بحيث تتم الزيارة على مدار اليوم لأن الزيارة حاليا تتكدس خلال الساعات الأولى فقط من الصباح، ولذلك تمت إنارة وادى الملوك حتى يمكن السماح بالزيارة الليلية، لكن كانت هناك تحفظات أمنية على فتح مناطق الآثار ليلا، وأعتقد الآن بعد أن استطاعت الشرطة والجيش تطهير مصر من الإرهاب فيمكن أن تتم الزيارة الليلية. هذا ليس مقالا للاستهلاك، لكنه عبارة عن ورقة عمل يجب أن نناقشها بجدية، وأن نقوم بتنفيذها ليس فى الأقصر فقط، بل وفى مناطق أثرية عديدة. هناك آلاف الأجانب الذين يسألون عن موعد افتتاح المتحف المصرى الكبير، ورغم أنه ليس لدى معلومات واضحة عن موعد الافتتاح، لكنى أجد أن مشروع تنظيم منطقة آثار الهرم لم يتم الانتهاء منه إلى الآن، وهناك ضرورة للانتهاء من تطوير المنطقة مع افتتاح المتحف.
لقد بدأنا هذا المشروع من قبل، وأنجزنا العديد من منظومة التطوير، ويتبقى الآن أن يتم نقل الباعة والدواب إلى المنطقة المجاورة لمركز الزوار، على أن يكون خروج السائحين من المنطقة من مخرج بجوار مكان تواجد الدواب، بحيث يركب السائح الجمل أو الحصان ويكون الهرم خلفيته، ويجاورهم الباعة أيضا. وفى كل دول العالم يكون المخرج من المناطق الأثرية والمتاحف بجوار البازارات والكافيتريات، لكن هنا فى مصر دائما نضع هذه الأماكن فى مدخل المناطق الأثرية!، وقد نفذت هذا المشروع فى المتحف المصرى عام ٢٠١٠، وللأسف الشديد قامت أحداث ٢٠١١ ودمر المتظاهرون المشروع.
من الضرورى دراسة كل المواقع الأثرية وعمل مشاريع يطلق عليها مشاريع إدارة الموقع، وهذه المشاريع تهدف أولا إلى الحفاظ على المواقع الأثرية وعمل مشاريع سنوية للترميم، وكذلك حماية المناظر الموجودة على حوائط المقبرة، بل وتنظيم الدخول عن طريق مركز زوار متخصص لتحديد أعداد الزائرين للدخول. ويتم ذلك عن طريق الحجز، ويمكن أن تشارك فى هذا المشروع البعثات الأجنبية التى تعمل فى البر الغربى، وأن يكون هناك تدريب للأثريين والعاملين الموجودين فى المواقع الأثرية، وذلك لمعرفة كيفية إدارة الموقع والحفاظ عليه.
أعتقد أن أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، قادر على أن يقود هذه المنظومة، خاصة أنه رجل له خبرة فى قيادة منظومات بهذا الشكل وإذا كانت لديه الفكرة للوصول إلى ٣٠ مليون سائح سنويا، فعلينا أن نستعد من الآن لاستقبال هذا العدد الضخم الذى سوف ينعش الاقتصاد المصرى بلا شك.
لو فكرنا معًا واجتمع رجال الآثار مع رجال السياحة أعتقد أن السياحة لن تصبح عدوا للآثار.