تعددت ألوان التسلية التى كان المصريون القدماء يمضون بها أوقات فراغهم. وقد عرفنا من خلال نقوش مقابر الأفراد العديد من وسائل الترفيه التى تمثلت إما فى الاشتراك فى الأعياد أو المواكب وإما فى إقامة الحفلات والولائم. لكن كانت ممارسة الألعاب من أهم الوسائل التى استحب بها المصرى القديم الترفيه عن نفسه وتسلية ضيوفه. وهناك العديد من الألعاب التى مارسوها منها الألعاب الذهنية وألعاب الحظ وألعاب الأطفال بالإضافة إلى الألعاب الرياضية والصيد. ولم تقتصر هذه الألعاب على طبقة معينة فقد لعبها الملوك وعامة الشعب. وقد عثر على أدوات اللعب مثل الكرات ولوحات الألعاب ودمى العاب الأطفال وعجلات الصيد وكذلك صنارات وشباك صيد الأسماك. ويوجد فى المتحف المصرى أمثلة لكل هذه الأدوات التى تؤكد تنوع الألعاب التى استحب المصرى القديم ممارستها مع أقرانه. ولقد تعددت أنواع الألعاب الرياضية التى مارسها المصرى القديم فى أوقات فراغه مثل المصارعة والتحطيب والمبارزة والتسلق ورفع الأثقال والرماية والكرة وشد الحبل. ولقد صورت هذه الألعاب بمقابر بنى حسن بمصر الوسطى ومعظم هذه الألعاب جماعية يشترك فيها عدة أفراد وتخضع لقواعد معينة.
وتعد رياضة النشان باستخدام القوس والسهام من أكثر الرياضات التى مارسها الفراعنة. وكانت الأقواس تصنع من أخشاب معينة ويتم كساؤها فى الغالب بجلود الحيوانات، واختلفت أحجام الأقواس باختلاف السهام وأطوالها، وكانت قوة القوس تقاس بمدى سلامة الوتر ومداه وقوة ذراع الرامى ومهارته فى التوجيه. ومن أهم المناظر التى ظهرت فيها رياضة الرمى بالسهام منظر للملك تحتمس الثالث على لوحة بمعبد أرمنت، كما ظهر الملك أمنحتب الثانى وهو واقف يرمى السهام التى اخترقت أهدافا من النحاس حيث لم يسبق لأحد أن صوب مثله.
وظلت صحراء منف مركزًا لتدريب الأمراء على رمى السهام، وفنون الحرب. وقد عثرنا بالمصادفة على مناظر للمدرب وهو يعطى تعليمات للمتدرب ويقول له «نشن على المركز ولا تذهب يمينًا أو يسارًا».
ومن الألعاب اللطيفة أيضا لعبة «خطا الأوزة» وهى لعبة يجلس فيها صبيان متقابلان وقد وضع كل منهما إحدى قدميه الممدودتين فوق الأخرى فى وضع قائم ثم يتتابع اللاعبون فى القفز. ولقد ظهرت فى جدران مقبرة بتاح حتب، وقد رأينا أحد المشاركين فى هذه اللعبة وقد وضع شريطا على كتفيه ربما كان مكافأة للفائز. كما تكرر المنظر فى مقبرة مريروكا بسقارة. وظهرت أيضا رياضة القفز فى الألعاب الراقصة والأكروبات كما تشير مناظر مقبرة ثنت، زوجة إنتف أكر من الأسرة ١٢، والتى تصور راقصًا للأكروبات.
وتصور مناظر مقبرة باكت الثالث منظرا يوضح كل مراحل القفز العالى بشكل متسلسل يتمثل فى قدم سيدة وهى منثنية خلفها ويداها إلى الأمام ثم تظهر وهى ترفع نفسها من على الأرض. ومنظر آخر يمثل شابا يقفز قفزة عالية بطول جسد ثور واقف من مؤخرته إلى قرنيه؛ بينما يمسك قرنى الثور وسيقانه وذيله خمسة فتيان لإجباره على الوقوف دون تحرك حتى لا يضر باللاعب حين يقفز من فوقه.
أما عن سبب كتابة هذا المقال فهو وصول رسالة لى على بريدى الإلكترونى من طفل عمره ثمانى سنوات يدعى أوين، يقول فيها إنه يود أن يقوم بعمل نموذج للعبة فرعونية تعرف باسم (snt- سنت) بمعنى (يعبر) ويريد منى بعض الإيضاحات والشرح حول هذه اللعبة. وبالفعل أرسلت له الخطوات التى يمكن أن يتبعها. وبعد ذلك تأتى المصادفة من خلال الحفائر التى أقوم بها حاليا بجوار هرم الملك تتى، أول ملوك الأسرة السادسة، حيث استغل المصريون القدماء خلال عصر الدولة الحديثة الموقع فى الدفن داخل توابيت ملونة وبداخلها المومياوات وإلى جوارها العديد من القطع الأثرية. وقد عثرنا على تابوت بجواره لعبة الـسنت ولعبة أخرى تعرف باسم لعبة العشرين.
وعندما جاءت قناة ABC الأمريكية لعمل تحقيق لبرنامج Today show، أشهر البرامج الصباحية فى أمريكا، حكيت لهم قصة الطفل أوين ولعبة السنت والتى أقدمها لكم فى هذا المقال هى ولعبة العشرين.
لعبة السنت
تشبه الشطرنج حاليا ويمارسها اثنان من اللاعبين، وقد شاعت بين الملوك والملكات والأمراء، وأيضًا بين كافة أفراد الشعب. وقد اعتمدت على التفكير، وكلمة سنت معناها «العبور» وظلت من الألعاب المحببة لدى الفراعنة. يلعبها شخصان كما ذكرنا، يحرك كل منهما قطعة حول رقعة مقسمة إلى خانات كالشطرنج وعلى اللاعب أن يراوغ خصمه حتى يستطيع أن يتغلب عليه. وقد اختلف شكل رقعة السنت باختلاف العصور إلا أن أكثرها شيوعًا تلك التى تتكون من ثلاثين مربعًا مقسمة على ثلاثة صفوف فى كل صف عشرة مربعات، وكان هذا اللوح المستطيل يوضع على مائدة منخفضة أو صندوق مستطيل به مكان لحفظ قطع اللعب.
وكان لهذه اللعبة أهمية دينية؛ حيث كانت ترمز إلى الصراع من أجل الوصول إلى العالم الآخر حيث يعتقد أنها وسيلة للمتوفى للوصول إلى حقول الإيارو (الجنة) إذا فاز على خصمه؛ لذا فقد احتوت اللعبة على مناظر للآلهة ونصوص دينية وكثر ظهورها فى مناظر المقابر وفى كتاب الموتى. وظهر فى عصر الرعامسة منظر على جدران المقبرة يصور صاحب المقبرة جالسًا أمام رقعة اللعب يلاعب خصمه وهو عبارة عن ثعبان ضخم يعترض سيره فى العالم الآخر، ومن خلال النصوص المصاحبة التى تتحدث عن اللعبة كانت تبدأ من المربع الخامس عشر وتنتهى عند المربع السابع والعشرين الذى كتبت فيه العلامة الهيروغليفية التى تعنى ماء؛ حتى يستطيع الغالب أن يلقى بخصمه فى الماء. ولأهميتها الدينية والدنيوية أصبحت من ضمن الأثاث الجنائزى الذى يزود به المتوفى.
وأقدم نموذج لهذه اللعبة عثر عليه بالمحاسنة مصنوع من الطين المحروق قسم سطحه إلى 18 مربعًا فى ثلاثة صفوف. كما صورت هذه اللعبة على جدران مقبرة حسى رع من ضمن ألعاب أخرى صورت فى مقبرته بسقارة، كما أشار إليها رع حتب، ضمن قائمة متاعه الجنائزى، كما عثر على نموذج خشبى لسفينة حربية عليها ضابطان جالسان يلعبان السنت فى أثناء الحراسة. ومن أجمل مناظر ممارسة هذه اللعبة منظر للملك رمسيس الثالث على جدران معبده الجنائزى بمدينة هابو يلعبها مع إحدى زوجاته التى تمنحه باقة من الزهور أثناء اللعب.
ومن أشهر وأجمل نماذج هذه اللعبة ما عثر عليه فى مقبرة توت عنخ آمون حيث عثر بمقبرته على ثلاث رقاع للعبة، كانت أكبرها مصنوعة من الأبنوس المذهب المكسو بالعاج بارتفاع ٢٠ سم وعرض ١٦ سم وطول 55 سم. وقد قسمت إحدى لوحات اللعب إلى ثلاثين مربعًا ولوح آخر مقسم إلى عشرين مربعًا، أما أدراج حفظ قطع اللعب فقد وجدت فارغة حيث كان يحتمل أن القطع كانت مصنوعة من مواد نفيسة لذا سرقها اللصوص. كما عثر على نموذج آخر بمقبرة تيا. وقد عثرت فى حفائرى بسقارة والتى أعلنتها للعالم كله على لوحة ذات وجه عليه لعبة العشرين، وعلى الوجه الآخر لعبة السنت.
لعبة المربعات العشرين
عثرت على رقعة للعبة المربعات العشرين فى حفائرى بمنطقة سقارة داخل إحدى الآبار وبجوار تابوت شخص مهم يعود تاريخه إلى الدولة الحديثة أى منذ ثلاثة آلاف عام. تلك اللعبة هى إحدى الألعاب الذهنية التى مارسها الرجل مع زوجته وأقرانه، وتعتمد بشكل كبير على التفكير. ولعبة العشرين ليست لعبة مصرية أصيلة لكنها لعبة بابلية جاءت من بلاد النهرين. وقد ظهرت تلك اللعبة لأول مرة على جدران مقابر بنى حسن والتى تعود إلى الأسرة ١٢. وقد وصفت تلك اللعبة تحت أسم آسب Asb وهى ربما تحريف للكلمة البابلية آسبو أى عميق. وقد كانت تلك اللعبة من بين الهدايا التى أرسلها أحد ملوك ميتان المدعو توشراتا إلى الملك أمنحتب الثالث وذلك بمناسبة زواجه من ابنة الملك الميتانى.
أما كيف كان الفراعنة يمارسونها؟، فكانت تلعب على ألواح مستطيلة مقسمة إلى عشرين مربعًا فى ثلاثة صفوف يحتوى الصف الأوسط على 12 مربعًا بينما يحيط بجانبيه صفان قصيران لكل منهما أربعة مربعات. ويلحق باللوح صندوق ذو درج لحفظ قطع اللعب التى تتكون من خمس قطع لكل لاعب، شكل كل مجموعة يختلف عن الأخرى.
وقد تميز كل مربع عن الآخر برسوم لزهرة أو شكل يرمز للحظ الحسن بينما يحتوى بعضها على كلمات تعبر عما يقع على اللاعب من نفع أو ضرر. وكان اللاعبون يجلسون فوق مقاعد قصيرة لا مساند لها وأرجلهم ممددة على وسائد صغيرة. أما عن خط سير اللعبة فكانت تعتمد على قطع مربعة تمثل النرد أو عصى قصيرة أو طويلة من الخشب أو العاج يلقى بها اللاعب فتسقط إما على وجهها أو على ظهرها، ثم يحرك اللاعب قطعة وفق سقوط النرد كما فى الطاولة حاليًا. ويكون الفائز هو من ينتهى أولًا من تحريك كل قطعه بأمان داخل الصف الأوسط إلى خارج لوحة اللعب. وكان أحد الأشخاص المهمين ويدعى بيتوزيرس صاحب مقبرة رائعة فى منطقة تونة الجبل بمصر الوسطى قد ظهر يلعب مع أصدقائه بعد تناول طعام الغذاء إلى أن يحين وقت تناول الجعة فى قاعة الشراب. وكان من عادة أهالى طيبة ألا ينتظروا حلول الوقت المناسب لتناول الجعة بل كانوا يفضلون تناولها أثناء اللعب.