بقلم - زاهي حواس
ما زلت أتحدث عن زيارتي لمدينة الرياض وحضور ملتقى العمارة النجدية التقليدية؛ هذه العمارة التي تم الحفاظ عليها وإعادة إحيائها في حي الطريف تقوم شاهداً على تاريخ الدرعية، تلك المدينة التي صمدت عبر الزمن بجذور تمتد إلى القرن الثاني عشر. ويستمر مرافقي الشاب المثقف معاذ العوفي في شرح فعاليات هذا الملتقى؛ الذي يأتي ليكون محفزاً للإبداع والتطوير، وتخليداً لإرث الدرعية واستجابةً للمتطلبات المعاصرة لابتكار حلول معمارية لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية لكي يتم في الدرعية بأصالتها وإبداعها كنموذج مثالي للحفاظ على العمارة الأصيلة وإعادة إحيائها من جديد وتوظيفها بالشكل الذي يضمن الحفاظ عليها ونقلها لأجيال قادمة.
مما لا شك فيه أن أسمى أهداف ملتقى العمارة التقليدية هو بحث آلية التقارب بين التاريخ والمستقبل وكيفية التدخل المتعمَّد والاستراتيجي لمد جسور هذا التقارب؛ الأمر الذي يجعل من الدرعية مركزاً للفنون المعمارية التي تجمع عناصر الإبهار والثقافة وتحافظ على الأرض، ونستلهم منها أهمية الاستدامة في التخطيط للمدينة التراثية القديمة.
تصبح رحلة الدرعية حكاية أسرة عن الحفاظ على التراث ومواكبة التقدم؛ قصة تنسج أحداثاً بين الماضي والحاضر والمستقبل بانسجام، ومزج التقاليد العريقة بالابتكار. وقد عرفت قصة عشق الملك سلمان للدرعية؛ وأن الفضل الأول يعود إلى اهتمامه الشخصي بالمدينة القديمة التي أصبحت حديث العالم كله. والحقيقة أن ما يشهده التراث الأثري السعودي من اهتمام وتطوير ملموس سواء في مجال الكشف والتسجيل أو أعمال الترميم والنشر العلمي... هذا العمل الجبار يجري في إطار «رؤية السعودية 2030»، وبرنامج جودة الحياة. ولذلك فهناك استلهام من حِكمة الماضي وتحفيز على الابتكار من أجل الحفاظ على التراث مصدراً متجدداً للإبداع. ولذلك كانت زيارتي ملتقى العمارة التقليدية بالدرعية بمثابة الرحلة الفريدة في حدود الزمان والمكان رأيت فيها الكنوز المعمارية التقليدية كيف كانت في الماضي وما هي عليه في الحاضر وما ستصبح عليه في المستقبل.
عمارة حي الطريف ليست فقط مباني من الطوب اللبن وجدران صماء... هي قصص أجيال عاشت وعرفت كيف تتصالح مع الظروف البيئية والمناخية المحيطة. ملتقى العمارة التقليدية النجدية هو إحياء لعظمة الماضي.