لعله واحد من أجمل الأخبار التى تلقيتها منذ أشهر، وهو خبر عودة تمثال أثرى من كندا إلى وطنه مصر. وتبدأ قصة هذا التمثال ووصوله إلى كندا ثم عودته إلى مصر مرة أخرى، من لحظة إلقاء السلطات الكندية القبض على أحد الأجانب القادمين إلى كندا من مصر وفى حوزته تمثال أثرى يعود إلى العصر اليونانى، وقد اشتراه من أحد تجار الآثار فى مصر. وبدأت السلطات الكندية فى الاتصال بالمجلس الأعلى للآثار لاستكمال القضية واتخاذ إجراءات عودة الأثر مرة أخرى إلى مصر، وذلك منذ حوالى ثلاث سنوات.
أما التمثال فهو عبارة عن تمثال نصفى من الرخام ارتفاعه حوالى ثلاثة عشر سنتيمترا، وتم تحفظ السلطات الكندية عليه بمعهد الترميم التابع لمؤسسة التراث الكندى. وعندما ثبت للسلطات الكندية عدم وجود أى دليل يؤكد أحقية الشخص الذى جلبه إلى كندا فى اقتنائه بالشكل القانونى، أصبح من حق المجلس الأعلى للآثار فى مصر الحصول على التمثال؛ وذلك تنفيذًا لاتفاقية اليونسكو عام 1970 بشأن منع الاتجار ونقل وتصدير الممتلكات الثقافية بشكل غير قانونى. وقد أرسلنا خطابًا إلى السلطات الكندية لتسليم هذا التمثال إلى السفير شامل ناصر سفير مصر فى كندا، الذى قام بالفعل باستلامه وأشرف على تغليفه وعودته إلى مصر.
وقصة التمثال جعلتنى أتذكر قصة أخرى حدثت أيضًا فى كندا، فقد سمعت سيدة كندية تعيش فى مدينة تورنتو تتحدث عن الجهود التى يقوم بها المجلس الأعلى للآثار لاستعادة الآثار المسروقة، ولذلك أرسلت إلىّ هذه السيدة خطابًا تقول فيه إنها اشترت تمثالا من لندن ودفعت فيه عشرة آلاف جنيه استرلينى، وأنها تود أن تهدى هذا التمثال إلى مصر وقد أرسلت لها خطاب شكر على هذا العمل ووجهت إليها الدعوة لزيارة مصر ومقابلتى لنشكرها على فعلها الطيب، ونعد لها برنامج زيارة لأهم الآثار والاكتشافات الحديثة فى مصر.
ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه، حيث أرسلت لنا هذه السيدة خطابا آخر تقول فيه إنها سوف تعيد التمثال إذا دفعت لها مصر المبلغ الذى دفعته فى التمثال، وأعطتنا عنوانها فى كندا لكى نرسل عليه شيكا بالمبلغ!، وأحسست بصعوبة الموقف، وفى ذات الوقت كان التمثال الموجود لدى هذه السيدة تمثالا جميلا يمثل فتاة يلف جسدها ثعبان، وكان من المستحيل دفع أموال فى مقابل استعادة أثر.. لكى لا تصير سنّة لكل من يمتلك أثرا مسروقا.. ولم يكن هناك من حل سوى إرسال خطاب إلى هذه السيدة أشرح لها فيه عواقب لعنة الفراعنة، وكيف أن هذه اللعنة تصيب كل إنسان يضع تماثيل فرعونية داخل منزله؛ لأن التماثيل عادة توضع داخل المقابر، ولكن وجود تمثال بالمنزل يجعل الفراعنة يصبون لعناتهم وسحرهم على صاحب البيت!.
والطريف أن السيدة سارعت بمجرد وصول خطابى لها بتسليم التمثال إلى السفارة المصرية فى تورنتو، والتى قامت بإرساله إلينا فى مصر.. ولم أسمع أى شىء عن هذه السيدة بعد ذلك، لكن يبدو أن لعنة الفراعنة قد أفادتنا فى تلك المرة فى عدم دفع الأموال واستعادة تمثال مسروق.
كثيرة هى قصص الآثار المسروقة من مصر التى هى جزء من عالم الفراعنة وعالم لصوص الآثار الذين لا يزالون ينهبون فى آثار وادى النيل منذ قرون بعيدة ولكننا وراءهم بالمرصاد.
عندما توليت مسؤولية أمانة المجلس الأعلى للآثار، وكذلك وزارة الآثار كأول وزير لها، أرسلت عدة خطابات إلى جميع المتاحف العالمية التى توجد بها آثار مصرية. وكان الطلب واضحًا جدًا وهو أن أى متحف سوف يقوم بشراء أى قطعة أثرية مسروقة، فسوف يتم إيقاف بعثات هذا المتحف عن العمل فى مصر تمامًا، وأى عالم آثار يتعاون مع لصوص الآثار، سوف يتم إيقاف هذا العالم عن العمل فى آثار مصر. وقد قمنا باتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه المتاحف وبعض علماء الآثار.
وللأسف الشديد، فقد قام متحف المتروبوليتان بنيويورك بشراء التابوت الذهبى الجميل الخاص بالكاهن «نجم عنخ» ويعود إلى القرن الأول الميلادى. والتابوت عبارة عن تحفة فنية رائعة ليس لها مثيل. ومن شكل التابوت والنصوص التى عليه، أقول إنه سُرق من منطقة «أبوصير الملق» بمصر الوسطى. حيث كانت هناك حفائر فى هذه المنطقة منذ أكثر من خمسين عامًا. وخرجت مئات التوابيت والمومياوات من هذا المكان. ولم يراع المتحف أى أصول للأمانة، خاصة أنه كانت توجد بين المتحف ووزارة الآثار علاقات متميزة للغاية، وهناك بعثة من المتحف تعمل فى البر الغربى للأقصر. وكان المفروض أن يرسل المتحف صورة للتابوت إلى إدارة الآثار المستردة قبل شرائه ولكن المتحف فضّل أن يشتريه دون الرجوع إلى مصر!.
وقام المتحف فى عهد «دورثيا أرنولد» بأعمال عظيمة لاستعادة آثار مسروقة لمصر. ولم يحدث من إدارتها لعشقها للمصريات أن قامت بشراء أى قطعة أثرية مسروقة من مصر. ويبدو أن تغيير الإدارة كان هو سبب ما حدث. أما قصة شراء التابوت، فقد جاء تاجر آثار أوروبى نصاب وعرض التابوت على رئيسة قسم المصريات وسلم لها وثائق مزورة عبارة عن تصريح من المتحف المصرى بالقاهرة بتاريخ 15 مايو 1971، ولم يكن هناك توقيع على التصريح من مسؤول المتحف، بالإضافة إلى أن الختم المزور عليه هو ختم هيئة الآثار، ولم يكن هناك هيئة فى ذلك الوقت، بل كانت مصلحة الآثار؛ ولو كانت مسؤولة قسم المصريات كلفت نفسها بإرسال هذه الأوراق لمصر، لقلنا لها إنها مستندات مزورة.
ويبدو أن السيدة العظيمة دبرا لير، وهى تعمل بقسم إعادة الآثار المسروقة للدول بتبرعاتها، أبلغت النائب العام الأمريكى فى نيويورك. واستمر التحقيق 20 شهرًا. وأرسلت أوراق البيع لوزارة الآثار. وتأكدت من عملية التزوير. وفى نفس الوقت، ولأول مرة نرى تعاونًا كاملًا بين أجهزة الدولة فى سبيل أن يعود هذا التابوت إلى مصر. وقام النائب العام المصرى السابق المستشار نبيل صادق، وهو رجل عظيم عمل فى صمت، بالتعاون مع وزير الخارجية سامح شكرى ومع وزير الآثار د. خالد العنانى الذى سارع بعقد اللجنة العليا للآثار المستردة، وأصدر قرارات عديدة. ومن خلال كل ذلك، تمت عودة التابوت لمصر.
وقامت القنصلية المصرية فى شخص السفير هشام النقيب، القنصل العام بتسلم التابوت.
وهذه شهادة حق لصديقى د. خالد العنانى الذى يعمل فى صمت، وبدون ضجة، فى سبيل الحفاظ على آثار مصر، سواء فى عملية الترميم أو استعادة الآثار. شكرًا مرة ثانية للوزير د. خالد العنانى والوزير سامح شكرى والمستشار نبيل صادق. ولا بد أن نعاقب متحف المتروبوليتان.
ترك لنا الفنان الفرعونى روائع فنية لا حصر لها؛ وقد اخترت اليوم بعض الأعمال الفنية للحديث عنها لكى نعرف من خلالها المزيد عن أسرار الفن المصرى القديم. أول هذه الأعمال لوحة من الحجر الجيرى صور عليها اسكتش مبدئى لرأس أحد الفراعنة من عصر الرعامسة ـ الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين ـ واللوحة موجودة بمتحف اللوفر بفرنسا. ومن النظرة الأولى للرأس يظهر شكل الاسكتش والتجريب. وبعد ذلك ومن خلال البورتريه الخاص بالمهندس سنموت العبقرى - الذى بنى معبد الدير البحرى للملكة حتشبسوت وكان هو المفضل إلى قلبها؛ ويوجد بمتحف المتروبوليتان- نعرف نظام الشبكة المكونة من 16 مربعًا، وكان الفنان المصرى القديم يستخدمها لضبط كل جزء من أعضاء الجسم البشرى وعند الانتهاء يقوم بإزالتها.
وهناك أيضًا اسكتش لراقصة أكروباتية وهو من أهم القطع الموجودة بمتحف تورين بإيطاليا، وهناك رسومات ساخرة تؤكد أن الفنان المصرى القديم استطاع أن يرسم مناظر يعبر من خلالها عن رأى الشعب فى السياسة والاقتصاد بل الأوضاع الاجتماعية؛ فمثلًا نجد رسمًا كاريكاتيريًا يصور حارسًا هزيلًا نائمًا يحرس مخزن غلال؛ وثعلبًا يرعى قطيعًا من الإوز؛ وقطًا هزيلًا يخدم فأرًا مترفًا.
عندما نفذ الفنان المصرى القديم المناظر على جدران المقابر نفذها من الجانب (بروفايل)، ونادرًا ما يوجد شخص صور من المواجهة؛ وقد يرجع السبب فى ذلك إلى أن الفنان كان يريد أن يؤكد فى المناظر المصورة والمنحوتة نوعية الحركة بها والتى لن تأتى إلا ونحن نرى المناظر من البروفايل؛ بالإضافة إلى أن الفنان كان يقوم بعمل قصة للحياة اليومية داخل المقبرة، ولذلك إذا رسم الوجوه أمامية فسوف تأخذ حيزًا كبيرًا داخل المقبرة. وسبق أن قلنا إن الفنان لم يوقع باسمه على المناظر التى نفذها إلا فى حالات نادرة جدًا؛ مثل الفنان الذى ترك توقيعه داخل مقبرة قار بالهرم وكذلك مقبرتا (مرى روكا وخنتى)، وقد صوروا أنفسهم إما داخل مركب أو جالسين وأمامهم لوح الرسم. وقد يعود السبب فى عدم ترك الفنانين أسماءهم إلى أسباب دينية وليس لانحطاط مكانة الفنان، بل على العكس تمتعت هذه الطبقة بمكانة رفيعة فى المجتمع الذى نظر إليهم على أنهم أصحاب مهارات خاصة وهبهم إياها الإله دون غيرهم من البشر.
وعلى الرغم من ذلك فلقد وجدنا العكس فى المقابر الموجودة بعيدا عن العاصمة، وقد يكون السبب فى أن الفنان فى هذه القرى قد يكون على صلة شخصية بالمتوفى، ولذلك لم يجد حرجًا فى أن يكتب اسمه داخل المقبرة؛ ولذلك نجد الاسم موقعًا فى الركن الأيسر أسفل جدران المقبرة. لقد وجدنا فى مقابر دير الجبراوى بصعيد مصر ومن عصر الملك بيبى الثانى ـ آخر ملوك الأسرة السادسة ـ وفى مقابر الحواويش، توقيعات الفنانين بل صورهم وهم يقومون بزخرفة ورسم المقابر.
وقد ظهر أيضًا الفنان (كا إم ثنت) عدة مرات فى مقبرة بمنطقة مير بأسيوط، وقد صور فى أوضاع كثيرة وحمل لقب رسام. وظهر أيضًا فنان من مير يدعى (إيمى إم سابنى)، صوّر وهو عاكف على تلوين تمثال؛ والملاحظ هنا أن الفنان صوّر نفسه بحجم كبير بل يتعدى حجم أى موظف آخر بالمقبرة.. الأمر الذى يشير إلى أحد شيئين: الأول مكانة الفنان فى المجتمع، أو أنه كانت له حرية فعل هذا وبموافقة صاحب المقبرة.