زاهي حواس
قامت بعثة أثرية من الدنمارك برئاسة عالم الآثار جيفري بيبي بعمل مسح أثري، وكذلك مجموعة اختبارات بالمنطقة الشرقية عام 1972، ثم تلا ذلك في عام 1977 قيام أثريين من المملكة بإجراء تنقيبات وأعمال مسح أثرية. وكان من نتاج هذه الأبحاث الكشف عن مدينة أثرية متكاملة في «ثاج» التي تقع بالمنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية. واتضح من بين نتائج تلك الأبحاث أن المدينة كان يحيط بها سور خارجي ضخم مبني بالحجارة، يصل طول أحد أضلاعه إلى نحو 900 متر، وعثر داخل هذا السور على جدران المنازل، كما عثر أيضاً على أوانٍ فخارية وزجاجية، بالإضافة على حلي وأدوات للزينة. ويعتقد الأثريون أن هذه المدينة تعود إلى العصر اليوناني وهي الفترة المعروفة باسم الدولة السلوقية من القرن الثالث قبل الميلاد.
أما الأبحاث الجديدة في هذه المنطقة فقد تمت عام 2016، بعد أن أعلنت المملكة ضمن المشروع السعودي الفرنسي المشترك من خلال المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) عن العثور على مستوطنة سكنية تقع بالجهة الجنوبية للموقع وتعود للقرن الثالث- الرابع الميلادي. كما عثر أيضاً على عدد من الأفران وسور البوابة الجنوبية للمدينة القديمة، بالإضافة إلى أوانٍ فخارية، منها ما يشير إلى التعاون مع العالم الخارجي مثل فخار بحر إيجة ومن بلاد الرافدين ونوع فريد من الفخار المزجج من الهند. هذا بالإضافة إلى الكشف عن مجموعة من نقوش المسند الأحسائي.
وقد ازدهرت ثاج خلال القرن الثالث قبل الميلاد، وذلك لوقوعها على طريق التجارة القديم، وظهور حركة القوافل المنتظمة الواقعة على طول الطرق البرية والموانئ البحرية. ويعتقد أن هناك العديد من المدن التي قامت على تلك الطرق مثل: «هجر، والمشقر، وجواثى، والعقير، وتاروت، والخط، وثاج، وعين دار، والجبيل، وعينين»، التي نشأت كمحطات وأسواق تجارية تتوقف عندها القوافل التي تتاجر مع الممالك العربية الجنوبية وبلاد ماجان وآشور وفارس ومصر واليونان.
لذلك يعتقد العلماء أن ثاج هي أحد المراكز الحضارية المهمة في الجزيرة العربية، حيث أظهرت الدراسات الأثرية أن هذه المدينة قد ازدهرت خلال الألف الأول قبل الميلاد، وهي تعد أكبر موقع هلينستي معروف في المنطقة الشرقية حتى الآن ومن أهم المواقع الأثرية في الجزيرة العربية. وقد همس إلى أذني أحد الأثريين قائلاً إنه يعتقد أن ثاج قد تكون المدينة الغامضة التي يحاول العلماء العثور عليها والمعروفة في المصادر القديمة بـاسم «الجرهاء».