بقلم: دكتور زاهي حواس
مما لا شك فيه أن التراث الثقافي في المملكة العربية السعودية يحظى بدعم غير محدود من كافة القطاعات المعنية بالمملكة، وقد ناقشنا من قبل رؤية المملكة لمستقبل تراثها الثقافي ضمن رؤية 2030. ومما لا شك فيه أن السعودية قد خطت خطوات كبيرة ومهمة من أجل الكشف والحفاظ على تراثها الثقافي، ومن خلال آليات محددة، ورؤية وقراءة جيدة لما تحتاجه المملكة للنهوض بتراثها الثقافي، الذي يمكن الحديث عنه في عدد من المحاور، أولها الاهتمام بإعداد الأثري والمرمم والباحث السعودي القادر على إدارة تراثه، وذلك من خلال تطوير شامل للمناهج التعليمية التي تدرس في أقسام الآثار والتراث بالجامعات السعودية، ووجود كوادر تعليمية سعودية على مستوى راقٍ من العلم والمعرفة. كان ذلك سبباً مباشراً لتلك الوفرة العلمية في النشر العلمي في مجال الآثار والتراث، والحضور المتميز للباحثين السعوديين في المؤتمرات والمحافل الدولية التي تناقش قضايا التراث.
نأتي بعد ذلك لمحور آخر مهم، وهو دور هيئة التراث بالمملكة، التابعة لوزارة الثقافة المسؤولة عن إدارة التراث الثقافي، سواء المادي أو اللامادي. حيث نجحت هيئة التراث في تسجيل مواقع أثرية على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، بالإضافة إلى مواقع أخرى في سبيلها إلى الضم ضمن مواقع التراث العالمي. هذا النجاح جاء نتيجة مجهود ضخم لعلماء وشباب هيئة التراث في إعداد وتأهيل تلك المواقع وتوثيقها وتأمينها، وكذلك إعداد الملفات الخاصة بها، لتناقش في اجتماعات اليونيسكو، وتدرس ويتم التصويت عليها. ولم تبخل المملكة وقيادتها في توفير كل الإمكانات والموارد اللازمة من أجل الحفاظ على تراث المملكة وتوظيفه ضمن خطة المملكة الطموحة نحو إعادة الحياة لكثير من المواقع التراثية والحرف اليدوية والاهتمام بأصحاب تلك الحرف ودعمهم، باعتبارهم جزءاً من الهوية الوطنية للسعودية.
ولم ينحصر دور هيئة التراث على الحفاظ فقط على ما تملكه المملكة من آثار، بل أيضاً إعادة ما تم نهبه قديماً من آثار المملكة السعودية، وبالفعل نجحت عبر قنواتها المتعددة في استعادة آلاف القطع التي خرجت بشكل غير شرعي من البلاد.
والمحور الثالث هو الاهتمام بالكشف عن المواقع الأثرية وتوثيقها وضمها للسجل الوطني للآثار. وتلك المواقع شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً من حيث تأهيل وتنظيم تلك المواقع ووضعها على خريطة السياحة الداخلية والعالمية، وذلك بعد تطبيق كل المعايير العالمية لإدارة المواقع التراثية.
والمحور الرابع هو التعاون المثمر بين خبراء هيئة التراث وكثير من مراكز البحث العالمية، سواء في ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا وغيرها من البلدان الأخرى، التي ظهرت في صورة بعثات أثرية علمية مشتركة في كثير من مواقع الآثار، أدت إلى تحقيق إنجازات كبيرة في مجال الكشف الأثري، وكذلك في مجال الحفظ والصيانة والترميم. هذا التعاون أدى إلى نقل الخبرات الوطنية لشباب الأثريين السعوديين، الذين باتوا قادرين على القيام بكافة أعباء العمل الأثري، ليس فقط على سطح الأرض، بل كذلك الكشف عن التراث المغمور تحت الماء، وقد أعلنت هيئة التراث عن تأسيسها مركزاً خاصاً بالآثار الغارقة.
أما عن المحور الخامس والأخير فهو إصرار وزارة الثقافة وهيئة التراث على جذب قطاعات كبيرة من المجتمع السعودي للمشاركة في حفظ التراث الثقافي للمملكة من خلال رفع الوعي الأثري للمجتمع والتعريف بأهمية الحفاظ على التراث. ولذلك رأينا كثيراً من المبادرات الناجحة لزيادة المشاركة المجتمعية في قضايا التراث.