بقلم - زاهي حواس
لا أعتقد أن هناك شعبًا أكثر من الشعب الأمريكى شغفًا وحبًّا للآثار المصرية، ولذلك أطلقت على هذا الحب اسم «جنون اسمه الفراعنة». سافرت إلى أمريكا خلال شهرى مايو ويونيو الماضيين، وذلك لإلقاء سلسلة محاضرات عن اكتشافاتى الأثرية في ٢٣ مدينة أمريكية. وخلال هذه المحاضرات، وجدت فعلًا شغف الشعب الأمريكى بالفراعنة، وشاهدت خلال رحلتى الطويلة كثيرًا من الأمور العجيبة؛ مثل سيدات وشمن أجسادهن بصور فرعونية، بل دخلن بها مسابقات أجمل وشم (تاتو)، كما رأيت بنات صغيرات يرتدين ملابس كليوباترا، وبعض الأطفال الذين حضروا مع آبائهم المحاضرات، والذين كانوا يعرفون كثيرًا عن التاريخ والحضارة المصرية، ربما أكثر من بعض الدارسين!.
قامت بتنظيم هذه الرحلة شركة بولندية مصرية تُعرف باسم Archaeological Paths، ويترأسها خبير السياحة المصرى مصطفى لطفى، والبولندى «جريجورى»، اللذان استطاعا أن يقوما باختيار مراكز المحاضرات، التي تسع لأكثر من 2000 شخص في كل مدينة. ويتم استئجار شركة أمريكية لتنظيم الدخول وتقديم المحاضرة، وبيع الكتب، وبعد ذلك عملية تنظيم الفنادق، ثم السفر من مدينة لأخرى والتنقلات بين المدن، وكانت أول محاضرة لى في يوم 2 مايو في مدينة فينيكس بولاية أريزونا. وكان تنظيم كل محاضراتى يتم كالآتى: أولًا مقابلة ما يطلق عليهم الشخصيات المهمة، التي تريد أن تقابلنى لتسأل أسئلة عن مصر القديمة، وكذلك أوقع لهم الكتب، وبعد ذلك يأخذ كل شخص صورة معى- أرجو أن تعذرونى، فأنا أتحدث عن نفسى كثيرًا في هذا المقال، ولكن أنقل إليكم كل ما حدث- تستمر هذه المقابلة للشخصيات المهمة مدة ساعة كاملة، بعدها تبدأ المحاضرة الكبرى في تمام الساعة السادسة تمامًا، حيث يتم عرض فيلم قصير مدته 8 دقائق فقط. وبعد ذلك أبدأ المحاضرة، التي تستمر حوالى ساعة وعشرين دقيقة. وبعد المحاضرة، أقوم بالإجابة عن أسئلة الحاضرين لمدة نصف الساعة. وقبل أن تنتهى فترة الأسئلة، أقوم باختيار طفل من الحاضرين لأسأله سؤالًا بسيطًا جدًّا، وخاصة عن الملك الذي يعشقه الأمريكان توت عنخ آمون، وهذه الأسئلة تنحصر في ما عمر توت الذهبى عندما حكم مصر؟، أو ما عمره عندما مات؟، أو اسم الملكة التي تزوجها توت؟، وإذا أجاب الطفل عن السؤال أنادى على والدته أو أبيه، وأعطيه الإيميل الخاص بى لكى يعطيه للمدرسة، في سبتمبر القادم، لأقوم بعمل لقاء عبر برنامج «زووم» مع تلاميذ الفصل!. هنا تضج القاعة بالتصفيق. وبعد ذلك تأتى فترة توقيع الكتب، والتى تستمر حوالى الساعة تقريبًا. وصل عدد الحاضرين في كل محاضرة إلى ما بين 1800
و2000 شخص، وذلك في كل مدينة من المدن الـ٢٣. بالطبع لم يأتِ هذا النجاح من فراغ، حيث قامت الشركة بأكبر دعاية في كل مكان سواء حتى على شبكة «سى إن إن» والصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وكذلك لوس أنجلوس تايمز ومحطات التليفزيون داخل كل بيت والمجلات العالمية في أمريكا، بالإضافة إلى الدعاية التي تمت من خلال منصات الإنترنت. ولذلك تم بيع التذاكر بالكامل، في سابقة لم تحدث من قبل أن يتم تجميع هذا العدد الكبير.
وقد اتصلت قبل السفر بالوزير الصديق سامح شكرى، وطلبت منه ضرورة أن ندعو القناصل والسفير المصرى بأمريكا لكى يقفوا أمام الحاضرين في المدن التي تتواجد فيها قنصليات مصرية، وذلك لكى يقولوا للشعب الأمريكى إن مصر أمان، وخاصة لأن أي مواطن أمريكى يقرر السفر إلى مصر يتمنى أن يجد شخصًا يعرف البلد لكى يسأله عن كيفية السفر إلى مصر؟، وهل البلد أمان؟، والحقيقة التي يجب علينا معرفتها هي أن المواطن الأمريكى لا يعرف خريطة العالم جيدًا، بل لا يعرف ما الشرق الأوسط. لذلك عندما تحدث أي قلاقل في بلد ما بالشرق الأوسط يعتقد أن كل بلاد المنطقة خطرة وليست آمنة. وقد قام الوزير سامح شكرى بإخطار القنصليات المصرية بذلك، وقابلنا السفير أحمد شاهين، القنصل العام في لوس أنجلوس، وقد استقبلنا عند وصولنا، وقام بإلقاء كلمة جميلة رحب فيها بالحاضرين، وأكد أن هناك رسالة من المصريين تقول إن مصر أمان. وبعد ذلك وصلنا إلى شيكاغو، وقابلنا السفير سامح أبوالعينين، ووجدت أنه رتب لى حفل غداء لمقابلة علماء المصريات بمعهد الدراسات الشرقية المعروف. وهذا المعهد تخرج فيه عمالقة الآثار المصرية مثل جون والسون وغيره من علماء اللغة المصرية القديمة. وقد حضر الغداء مدير المتحف والعديد من علماء الآثار، ووجدت أن السفير أبوالعينين اتفق معهم على عمل حفل 23 يوليو بين آثار مصر العظيمة داخل المتحف، وقد اتصلت بكل سفير قبل الحضور لكى أوجه إليه الدعوة. وقد حضرت السفيرة هويدا عصام، قنصل نيويورك، وألقت كلمة. هنا يتذكر كل المصريين العديد من القناصل العظام، الذين تركوا بصمة، ومنهم السفير أحمد فاروق. وبعد ذلك وصلنا إلى واشنطن، وقابلنا السفير معتز زهران، وهو رجل محترم بمعنى الكلمة، واستطاع أن يكون صداقات قوية بالعاصمة واشنطن سواء مع السياسيين أو المثقفين والصحافة، وقد أقام حفل استقبال حضره أكثر من مائة شخص كلهم في مناصب كبيرة، وقدم لكل الحاضرين الأكل المصرى والمشروبات المصرية، ودعا الحاضرين إلى المجىء لمصر. وهنا أُحيى السيدة حرمه، التي تُعتبر سفيرة ثانية لمصر بواشنطن، وقد تحدث معى العديد من الأصدقاء، حيث قالت لى ديبرا لير إن السفير معتز زهران استطاع أن يحصل على حب الأمريكان لأنه ذو خلق رفيع ومتواضع، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة. وفى يوم المحاضرة، قام بإلقاء كلمة جميلة أمام كل الحاضرين، الذين وصل عددهم إلى ما يزيد على 1800 شخص. وقد سمعت التصفيق الحاد الذي قوبل به قبل وبعد الكلمة. وقد أقام حفل الاستقبال داخل متحف السفارة، وهو متحف صغير به آثار فرعونية وإسلامية، وُضعت في منزل السفير، على ما أعتقد أيام الملك فاروق، وقد تم نقلها، وتنظيم هذا المتحف خلال وجود السفير سامح شكرى، سفيرًا لمصر بواشنطن، والحقيقة أن السيدة حرم السفير سامح شكرى كانت هي مَن أشرفت على إعداد هذا المتحف، وقد حاولنا أن نرسل قطعة من العصر القبطى ليتكامل المتحف زمنيًّا، ولكن أحداث 2011 منعت إرسال القطعة، وأرجو من الوزير أحمد عيسى أن يعطى التوجيه بإرسال هذه القطعة لأنها تُعتبر سفيرًا لمصر، ولكى تُظهر التطابق بين الحضارة المصرية من فرعونية وقبطية وإسلامية.
وأخيرًا، وصلنا إلى هيوستن، حيث تواجد السفير حسام القاويش، وهو أيضًا من السفراء الذين أعطوا للمكان احترامًا، ورغم أنه جاء إلى هيوستن منذ فترة بسيطة، فإنه استطاع أن تكون لديه شبكة صداقات جميلة، حيث قدمنى إلى اثنين من الأطباء المصريين لهما شهرة عالمية، الأول هو الدكتور غابريال، أحد أهم الأطباء في زراعة الكلى، والثانى هو الدكتور أسامة جابر، وهو من أهم أساتذة زراعة الكبد. وألقى السفير حسام كلمة جميلة أمام كل الحاضرين في مدينة هيوستن عنوانها «مصر بلد الأمان».
اعتدت قبل أن تنتهى المحاضرة عرض صور للاحتفال الكبير، الذي قامت به دار الأزياء العالمية «ديور»، التي عرضت تصميماتها في صحراء الهرم، والذى حضره العديد من المشاهير، وكذلك العرض الذي قام به الإيطالى الشهير ستيفانو ريتشى وعرض أزياء الرجال أمام معبدحتشبسوت. وأعلق على الصور بقولى إن سبب اختيار هذه الدُّور العالمية لمصر هو لأنها أمان، وإننا ندعوكم إلى زيارة مصر لأن دخل المناطق الأثرية والمتاحف يخصص لترميم وصيانة الآثار المصرية، التي هي ليست مِلْكًا لمصر، بل مِلْك للعالم كله.
ومن الطريف أثناء إلقائى محاضرتى بمدينة كولومبس، التي حضرها حوالى 2000 شخص، وقفت سيدة أمريكية بعد المحاضرة لتقول لى إن اليوم هو عيد ميلادك، وأود أن أحتفل بهذا العيد مع كل الحاضرين، ولذلك غنى لى الكل «عيد ملاد سعيد»، ووجدت الدموع تذرف من عينىّ. وخلال محاضرتى بلوس أنجلوس وكذلك سان دييجو وسان فرانسيسكو، وجدت العديد من ذوى البشرة السمراء يقفون طوابير قبل المكان الذي ألقى فيه المحاضرة، ويعلقون لافتات مكتوبًا عليها «مصر الفرعونية سوداء»، ويوزعون أوراقًا على كل مَن يدخل المحاضرة بأن العرب هم الذين سرقوا هذه الحضارة، وذلك تعليقًا على ما أعلنته من أن كليوباترا ليست سوداء. وقد علقوا لافتات يتهموننى فيها بالكذب والتضليل، وقد سألتنى إحداهن عن كليوباترا، وقلت لو قدموا كليوباترا بالشعر الأصفر فسوف أرفض لأن كليوباترا كانت مقدونية ليست لها صلة بما تقدمه هوليوود، ومنصات التليفزيون!، وقلت إن مملكة كوش السمراء حكمت مصر في الأسرة 25، أي العصر المتأخر، وذلك في نهاية الحضارة الفرعونية، فليست لها صلة بالفراعنة، وكذلك تعالوا ننظر إلى المناظر الممثلة على جدران المعابد من الدولة القديمة إلى العصر المتأخر، وسوف نجد أن الملك مصور، وهو يضرب الأعداء، وأمامه الإفريقى والآسيوى، ولم يُصور الملك بلون أسود، ولم يكن في مصر القديمة أو الحديثة تعصب للون.