بقلم - زاهي حواس
استطاعت هيئة التراث بوزارة الثقافة السعودية إحداث طفرة في تطوير العمل الأثري بالمملكة العربية السعودية. وقد شمل هذا التطوير كل مجالات العمل الأثري سواء تنظيم أعمال البعثات والاكتشافات الأثرية، وترميم وتسجيل الآثار، وحماية التراث السعودي بكل أنواعه من المخاطر التي تهدده.
لقد بات من الواضح أن هناك اهتماماً خاصاً توليه المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الثقافة بتطوير المواقع الأثرية خاصة تلك التي لا يعرف معظم الناس عنها الكثير، أو بمعنى آخر المواقع الأثرية غير المشهورة، ومنها مواقع في حائل وفي منطقة الجوف. وبات إنشاء مراكز زوار متقدمة بتلك المواقع شيئاً أساسياً ضمن سياسة تطويرها لكي تساهم في التعريف بقيمة وأهمية الموقع للزائر، وذلك من خلال وسائل عرض جذابة، ومن خلال مسؤولي المواقع الأثرية وهم على درجة عالية من الثقافة والدراية بكيفية التعامل من الزائرين على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم.
لقد كنت شاهد عيان على ما حدث من طفرة في العمل الأثري بالمملكة العربية السعودية وذلك خلال زيارتي الأخيرة التي قمت بها للمملكة وزرت خلالها كثيراً من المواقع الأثرية. وكان مما أثار اهتمامي هو ذلك التعاون البناء بين الأثريين السعوديين وزملائهم الأجانب، الأمر الذي انعكس بالإيجاب على مستوى العمل الأثري في السعودية ووصول الأثري السعودي إلى درجة عالية من الاحترافية في ذلك المجال نتيجة للتعليم الجيد الذي توفره أقسام الآثار والتاريخ بالجامعات السعودية وكذلك الاحتكاك بالخبرات الأجنبية وممارسة العمل بالمواقع الأثرية سواء في الحفائر أو الترميم أو تنظيم وتطوير المناطق الأثرية. إن العمل الدائم والمستمر كفيل برفع مستوى أداء الأثري في أي مكان على الأرض.
بقى أن يعرف العالم حقيقة هذا التقدم الكبير في تطوير وحماية المواقع الأثرية بالمملكة التي توليها القيادة السياسية اهتماماً خاصاً ضمن رؤية المملكة الخاصة بعام 2030 وما تطمح للوصول إليه في المستقبل القريب، خاصة أن كثيراً من المواقع الأثرية والتراثية أصبحت مؤهلة إلى أقصى درجة لاستقبال السياحة العالمية، إلى جانب رفع مستوى الاستفادة من السياحة الداخلية بالمملكة. وقد كان من ضمن أحدث المبادرات التي أطلقتها وزارة الثقافة برعاية وزيرها الأمير بدر بن فرحان، مبادرة المكتشف الصغير التي تستهدف رفع الوعي الأثري لدى الأطفال ومنحهم متعة البحث والكشف عن أسرار التاريخ والآثار، وبالتالي رفع مستوى المساهمة المجتمعية في حماية التراث الوطني، وتقوم الآن هيئة التراث بالمملكة بتفعيل هذه المبادرة على ثلاث مراحل؛ الأولى تستهدف الفئة العمرية من 6 إلى 12 سنة، والمرحلة الثانية تستهدف الفئات العمرية من 13 إلى 15 عاماً سواء داخل الصروح التعليمية أو في المراكز التجارية، وكذلك من خلال تنظيم فعاليات وزيارات ميدانية لبعض مواقع التراث بالمملكة. وتستمر المرحلة الثالثة بمنح الفرصة للفئات العمرية الصغيرة للانضمام إلى فرق المرممين والأثريين والباحثين في مواقع الحفائر والعمل الأثري للمشاركة في البحث واكتشاف الآثار. نحتاج إلى مثل هذه المبادرات والأفكار التي تساهم إلى حد بعيد في دمج المجتمع بفئاته المختلفة في مسؤولية الحفاظ على التراث الأثري الذي هو أغلى ما نملك.