حديث هادئ عن قمة مناخ صاخبة

حديث هادئ عن قمة مناخ صاخبة!

المغرب اليوم -

حديث هادئ عن قمة مناخ صاخبة

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

في نهايات سنة 1999 سرت موجة عارمة حول العالم تحذر بشدة من أهوال قادمة وبشكل غير مسبوق لما ينتظر العالم من انهيار عظيم لمنظومة الحواسيب الآلية ومدى خطورة تبعات هذا الأمر على سلامة المنظومات الأمنية وخطورة ذلك على المنظومة المصرفية وقطاعات الكهرباء والمياه والطيران والسكك الحديدية، وعاش العالم أياماً عصيبة جداً وبدأت الحكومات والشركات والأفراد يتعاقدون على شراء برامج حماية مخصصة لأجل التعامل مع ما عرف بمشكلة سنة 2000 حتى جاء اليوم الموعود، وبدأ القرن الجديد ولم يحدث أي شيء مما روّج له ناشرو الرعب. هناك فريق كبير من المسؤولين الحكوميين وكبار التنفيذيين في الشركات العملاقة لديهم القناعة الكاملة بأن مشكلة المناخ العالمية هي شبيهة جداً بمشكلة عام 2000؛ مبالغة في التهويل والتخويف من دون أدلة كافية لتأكيد موقفهم.
ووجهة النظر هذه لم تعد لديها الجدارة ولا المصداقية لمواجهة الأدلة المتزايدة التي تؤكد وجود أزمة مناخ جادة.
تذكرت هذه الخلفية البسيطة وأنا أتابع أخبار فعاليات قمة المناخ السابعة والعشرين المنعقدة في مدينة شرم الشيخ بمصر، التي من المتوقع أن تضم برنامج عمل ساخناً مليئاً بالموضوعات التي تحمّل أطرافاً اللوم والمسؤولية من دون أطراف أخرى تقع عليها المسؤولية الأعظم لما أصاب كوكب الأرض من أضرار بيئية.
والحديث عن أزمة المناخ العالمية يتخطى كونها موضوعاً بيئياً بحتاً، فهو حديث يتضمن وبشكل أساسي ومعمق شجوناً سياسية واقتصادية وعلمية تفرق في نقاشاتها الأطراف المعنية كافة ما بين مؤيد ومعارض.
فأزمة المناخ العالمية يحاول البعض الاستخفاف بالأدلة العلمية عليها ليردوا بأن هذه دورة مناخية ثابتة تحدث دائماً في كوكب الأرض كل بضع مئات من السنوات ولا داعي بالتالي لكل هذا القلق. وهناك أطراف أخرى تجيّر الكثير من الأحداث السياسية الكبرى والنتائج الاقتصادية إلى أزمة المناخ العالمية.
مثل بداية انطلاق أحداث الثورة السورية التي انطلقت من مدينة درعا قلب منطقة حوران، وهي السلة الزراعية الأساسية لسوريا التي عانى المزارعون فيها في السنوات الأخيرة قبل اندلاع الثورة من شح المياه وفقر المحاصيل الزراعية مما أدى إلى انهيار المداخيل وارتفاع هائل في معدلات البطالة. كذلك الأمر بالنسبة لمنطقة دارفور في السودان التي أصيبت بالتدهور وجفت المياه فيها وغابت المحاصيل والمراعي، فقضي على الآلاف من الماشية فيها ودمرت بالتالي الحياة بأشكالها كافة وحدثت الحرب. وتُوجه أصابع اللوم إلى أزمة المناخ العالمية كأهم الأسباب خلف ما حدث.
وتصيب أزمة المناخ العالمية الدول الفقيرة بشكل أصعب من غيرها من الدول مثل موزمبيق ومالاوي ومالي وبنغلاديش وسيريلانكا فتتحمل هذه الدول الفقيرة أكثر من 50 في المائة من الأضرار المترتبة، بينما هي مجتمعة لم تتسبب في أكثر من 7 في المائة من إجمالي الضرر.
الدول الغربية يبدو أنها مصممة على التصعيد في اعتبار مسألة أزمة المناخ العالمية موضوعاً وجودياً للعالم وليس باعتبارها «طبق اليوم» أو «نكهة الشهر»، وهي بذلك ترغب في تسييس المسألة واعتبارها وسيلة ضغط مهمة على روسيا باعتبارها إحدى أهم الدول المنتجة للنفط (وهي السلعة التي تتهم بأنها أحد أسباب أزمة المناخ العالمية)، وعلى الصين باعتبارها أكبر مستهلك لهذه السلعة، وبالتالي تعتقد الدول الغربية أنها بفرضها قيوداً مشددة على النفط ستؤثر على طموحات روسيا والصين الاقتصادية.
السعودية، أهم الدول النفطية في العالم، حسمت موقفها بخصوص التعاطي مع تحدي الحفاظ على البيئة واعتبرت أن الحفاظ على البيئة هو إحدى أهم ركائز رؤية 2030 وأطلقت العديد من المبادرات الخضراء العملاقة لتأكيد القول بالعمل، ولكن السعودية تتصدى لحملات وصفتها بغير العادلة، تلك التي تسلط الضوء وتركز على الدول المنتجة للنفط لتحملها وحدها أزمة المناخ العالمية، بينما تشير الأرقام وبوضوح شديد إلى أن الدول الصناعية الكبرى ومعها الصين هي من تتحمل مسؤولية تلوث بيئة الكوكب، وعليه فإن ما يحدث الآن هو بعيد عن العدالة.
قضية أزمة المناخ العالمية قضية في غاية الأهمية، ولكن من المهم جداً أن تتحمل الأطراف المعنية كافة مسؤوليتها بجدارة وإلا فقدت القضية احترامها في أعين العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث هادئ عن قمة مناخ صاخبة حديث هادئ عن قمة مناخ صاخبة



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 05:02 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
المغرب اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 15:40 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات عن إنتاج الخام الأمريكي

GMT 15:58 2022 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهم اليابان تحقق مكاسب طفيفة بتأثير من مخاوف رفع الفائدة

GMT 21:29 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

الأمن المغربي يطيح بسارق وكالة بنكية في مدينة فاس

GMT 04:02 2022 الأحد ,16 كانون الثاني / يناير

الرجاء المغربي يقدم عرضا رسميا لضم اللاعب حمزة خابا

GMT 20:31 2021 الجمعة ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الإصابة تُبعد نوير عن مواجهة رومانيا في تصفيات المونديال

GMT 02:28 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 11 شخصًا إثر أعمال عنف في ساحل العاج

GMT 13:09 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الرحلات البحرية من المغرب إلى إسبانيا‬

GMT 00:29 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيقات في المغرب تكشف تورط "راق شرعي" في جريمة زاكورة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib