لبنان والحل الأخير

لبنان والحل الأخير!

المغرب اليوم -

لبنان والحل الأخير

حسين شبكشي
حسين شبكشي

كنت في حديث جانبي مع صديق مهتم ومطّلع على الشأن اللبناني، وتبادلنا أطراف الحديث في الجوانب التقليدية للسياسة اللبنانية. وهو حديث قديم متجدد بنفس الهواجس والتحديات والهموم.
حكومة غير قابلة للتشكيل. هموم طائفية. تدخلات خارجية. انهيار العملة الوطنية. نزوح وهجرة جماعية إلى خارج لبنان... العناوين نفسها تتكرر مجدداً، ولكنْ هناك شيء مختلف هذه المرة أو على الأقل، هذا ما وصل إليّ من صديقي وحديثه الجدّي الذي يأتي بنبرات صوت لا تخفيها علامات القلق فيه. يخشى الرجل مع التدهور غير المسبوق في الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي الأوضاع المعيشية والانقسام السياسي العميق جداً والحاد جداً، وانهيار المنظومة الصحية وعدم قدرتها على التعامل مع تداعيات تفشي جائحة «كوفيد - 19» وفقدان الدولة قدرتها على تطبيق الإجراءات الصحية بشكل فعّال أو حتى توزيع الهبات والمنح والعطايا الصحية المقدمة من الدول الصديقة، والتي بقيت ملقاة على أرض المدينة الرياضية في العاصمة بيروت معرّضة للتلف

والسرقة، ومع ورود أنباء متكررة ومتزايدة عن ورود كميات وُصفت بالهائلة والكبيرة من السلاح إلى مناطق مختلفة في لبنان (وهذا غير مستغرب بعد ثبوت تهريب آلاف الأطنان من المواد الكيميائية المختلفة، والتي تسبب بعضها في حصول انفجار مرفأ بيروت المشؤوم في الرابع من شهر أغسطس «آب» الماضي) ويشير تكديس السلاح المتزايد إلى استشعار الفرقاء في لبنان أن الإشكال بين الفرقاء في لبنان قد وصل إلى طريق مسدود، ما دام فريق واحد يستفرد بالقرار ويهيمن على السلاح. ومما زاد حالة الإحباط الواسعة في أوساط الشارع اللبناني، الفشل الذريع الذي لحق بالمبادرة الفرنسية، والتي تصدى لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، وقرب تنصيب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة، وحتمية انشغاله الشديد بقضاياه الداخلية المتأزمة، وبالتالي لن يكون لبنان وهواجسه على دائرة الرادار الأميركي في القريب المنظور.

تنهّد صديقي بصوت ملؤه الحسرة والهموم، وأكمل بقوله على ما يبدو أن المشهد اللبناني القادم والصادم سيكون عنوانه «التقسيم الفيدرالي». وعلى ما يبدو أننا مقدمون على النموذج الكوري في لبنان. نصف البلاد مغيَّب خلف شعارات وخطب زعيمه «الملهم»، والمعلقة كلماته وصوره في كل مكان، حسن نصر الله، متقمصاً الزعيم «الملهم» كيم جونغ أون، المنشغل بالاستعراضات العسكرية والخطب الملهمة. كلٌّ يغنّي على «مقاومته»: النصف الثاني منشغل بالحياة والعلم والتواصل والخدمات. النصف الأول مشغول بالموت ومغيَّب، والنصف الثاني معنيٌّ بالحياة والبهجة. الحياة أصبحت مستحيلة بينهما.

هناك لبنانان تم تكوينهما. لبنان الذي كان رمزاً للبهجة وأيقونة الحياة أصبح حزيناً لا يفرح إلا بالموتى ويقدّس طريق الموت. شيء ما تغير. أكمل صديقي حديثه بألم وحسرة وقال: «أعرف لبنان جيداً، هناك شرخ عميق في وجدان البلد؛ فريق يريد لبنان سيداً وحراً، وفريق آخر يجاهر بكل فخر بتبعيته لبلد آخر بشكل فج ومقزز. جرَّب لبنان تقسيم عاصمة البلاد بيروت بين شقيها الشرقي والغربي، ولكن اليوم هناك تحدٍّ من نوع جديد يوجه البلاد هي الجاهزية والاستعداد لفصل البلاد بعضها عن بعض حتى يكون لكل فريق حرية اختيار الطريق الذي يراه مناسباً. كل الذي تبقى هو تدشين مطار رينيه معوض بشكل رسمي بالشمال، ورسم الحدود الداخلية بين شقّي البلاد بجنوبه وشماله». قلت لصديقي: «ولكنّ هذا سيناريو مرعب»، التفت إليّ والدموع في عيونه وقال: «لن يكون لبنان أفضل حالاً من العراق وكردستان أو أفضل حالاً من السودان وجنوبه أو حتى من الصومال وشماله». ختم الرجل حديثه بجملة وقعت ثقيلة على السمع عندما قال: «عندما تعجز الشعوب والقيادات عن تحمل المسؤولية بجدارة وحكمة، لا يبقى هناك سوى الحل الأخير».

قلت له: «وماذا عن طائر الفينيق الذي يحيا مجدداً برماده بعد حرقه المؤلم كل مرة؟»، أدار ظهره لي وهو يشيح بيده قائلاً: «سيكتشف الناس هذه المرة أنه مجرد أسطورة». أصابني الحديث بغصّة كبيرة وحرقة حقيقية على بلد أحبه الكثيرون، ولكنه ضاع وضيّعه أهله. لا أعلم أي كلمات كان سيقولها اليوم ابن بشري، جبران خليل جبران، لو طُلب منه وصف حال بلاده مجدداً... حتماً كان سيكرر العبارة الخالدة: «لبناني ليس كلبنانكم».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والحل الأخير لبنان والحل الأخير



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 05:02 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
المغرب اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 15:40 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات عن إنتاج الخام الأمريكي

GMT 15:58 2022 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهم اليابان تحقق مكاسب طفيفة بتأثير من مخاوف رفع الفائدة

GMT 21:29 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

الأمن المغربي يطيح بسارق وكالة بنكية في مدينة فاس

GMT 04:02 2022 الأحد ,16 كانون الثاني / يناير

الرجاء المغربي يقدم عرضا رسميا لضم اللاعب حمزة خابا

GMT 20:31 2021 الجمعة ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الإصابة تُبعد نوير عن مواجهة رومانيا في تصفيات المونديال

GMT 02:28 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 11 شخصًا إثر أعمال عنف في ساحل العاج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib