سنة

سنة!

المغرب اليوم -

سنة

حسين شبكشي
حسين شبكشي

تأملت في تاريخ اليوم وأنا أهم بكتابة حروف هذا المقال الذي تطالعونه بين أيديكم الآن، لأُصدم وأنا أتذكر أنه مرت سنة منذ تفشي جائحة «كوفيد – 19» عالمياً. سنة هي أشبه ما تكون بألف مما تعدون بالنسبة لما مرت فيها وعلينا من أحداث ومواقف تقع جميعها بين المذهل وغير المعقول. سنة تحوّلت فيها ملامح وجهي تماماً لتصبح قريبة الشبه بصورتي الشخصية في بطاقة الهوية الوطنية. سنة علمتنا و«علمت» علينا. تعلمنا فيها أن محور المقاومة الحقيقي هو المكون من «فايزر» و«موديرنا» و«أسترازينيكا» وليس عصابات بقيادة مجرم يصيح خلف شاشة بلازما.

كانت سنة خرجت علينا أصوات «خبيرة» في شتى المعارف والعلوم السياسية والطبية والاقتصادية على وسائل الإعلام تدعي العلم، فطغت واختلطت في ذلك الأمر مع أصحاب العلم نفسه، ليصبح الفرق بينهما كالفرق بين نشرات الأخبار والبرامج الحوارية المعروفة بـ«التوك شو»، حتى تكوّنت للناس فلاتر لتصفية عقولها من الغث والضوضاء والثرثرة والتلوث السمعي. نماذج فقدت الثقة فكيف من الممكن الوثوق بشخص يعتبر الصراحة عيباً ويقول «عيبي صراحتي». حوارات ومحاورات في العلم اللديني الخاص عن الجائحة، وخسارة ترمب تنقل نظريات المؤامرة لمستويات عليا غير مسبوقة لتصبح قريبة من دراسة علوم الفيزياء النووية، باعتبار كل ذلك علوماً فضائية وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة فارق التوقيت فضلاً. وعليه يصبح كل من يؤمن بالأدلة العلمية والبراهين المنطقية غريباً في عالمه مرغماً أن يردد باستمرار رائعة طلال مداح: «تصدق ولا أحلف لك».

تقول الحكمة الإيطالية القديمة المعروفة: «إن الفرق بين الشجاع والجبان هو أقل من ثلاث ثوانٍ»، وهي المدة التي يستغرقها صوت العقلللانتصار وهزيمة أي أصوات أخرى منافسة له. يروي لي أحد الأصدقاء تجربته مع التعلم والتعليم بقوله: «في المدارس عموماً تتعلم ثم بعد ذلك تخوض الاختبار، وفي مدرسة الحياة تخوض الاختبار ثم تتعلم... أما في مدرسة (كورونا) فالتعليم مفتوح يومياً مع كل يوم تعيشه. درس يومي مستمر». سنة مراجعة كاملة، حيّرت الساسة وجهابذة العلوم ورجال الدين ومنظري الاقتصاد ومعهم الأطباء، ولكن مع هذه المراجعة كانت سنة نما فيها الشعور العارم بالحنين والنوستالجيا العالية، فلقد أصبح كل ما قبل «كورونا» هو الزمن الجميل بكل اختصار ووضوح. سنة مرت فيها القصص العجيبة أتذكر منها مقولة لأحد البسطاء الذي نذر أن يسمي أولاده «لقاح» و«فاكسين» لو ثبت نجاح اللقاح في القضاء على الجائحة. سنة تحولت فيها لهفة الناس وقلقهم اليومي الذي يصاحب الإعلان الرسمي لوزارة الصحة، وهي تقدم الكشف الخاص بعدد الإصابات والحالات الجديدة في مشهد يشبه حالة الأهالي مع ترقبهم ومشاعرهم المتضاربة، وهم ينتظرون بكل شغف نتائج امتحانات شهادة نهائي مرحلة الثانوية العامة. ولكن رغم الأثر المهول والكبير لجائحة «كوفيد – 19» على حياة الناس ونجاحها المذهل في تغيير سلوكيات الناس في كل شيء، فإنها لم تنجح في تغيير عادة واحدة وهي استمرار الناس الذين يتصلون للحديث مع البرامج الحوارية في الإذاعة والتلفزيون في رفع الصوت على المذياع أو التلفاز لسماع صوتهم، وذلك رغم مضي سنوات طويلة على تكرار التوجيه بخفض الصوت، مما يجعلنا نشك في وجهة نظر المتصل مسبقاً، وهو الرافض للانصياع لنصيحة بسيطة كهذه.

مرت سنة تعلمنا فيها قيمة العلم بالتي هي أحسن، وأن هناك مختبرات علمية حقيقية تقدم خدمات للبشرية غير تلك التي تحول البحر إلى طحينة. وأصبحت نظرتنا لمخترعي اللقاح شبيهة بنظرة مخترع المطب الصناعي لصانعي السيارات الرياضية الفارهة باعتبار الأول من أعداء النجاح بامتياز. وبالتالي أصبح خط دفاعنا الوحيد ضد التفوق العلمي هو ترديد مقولة إن كل المتفوقين علمياً «ناس دمها ثقيل». علمونا قديماً أن من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، وهذه فكرة خاطئة وجاهلة ومضللة، لأن واقع الأمر أن من يضحك أخيراً هو أغبى واحد بين الحضور ببساطة واختصار.

سنة مرت بما جاءت به ولكن أرقام المتلقحين حول العالم آخذة في الازدياد، وهذا في حد ذاته عنصر مختلف عن العام الماضي. سنة أصبح فيها أن تكون سلبياً يعني أنك بألف خير، وسنة فيها نداء «تلقحوا» هي دعوة للمشاركة في الخير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنة سنة



اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 07:09 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

مستحضرات تجميل تساعدك في تكبير شفتيك خلال دقائق

GMT 03:29 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

ديكورات ثلاجات يُمكن أن تستوحي منها إطلالة مطبخك

GMT 01:08 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات الصادق توضح كيفية التعامل مع أهل الزوج

GMT 00:10 2018 الخميس ,11 تشرين الأول / أكتوبر

التشكيلي رشيد بنعبد الله يحتفي بالفرس في معرض فردي

GMT 07:30 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مصممة تضفي لمسة جمالية على منزل قديم في إنجلترا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib