حسين شبكشي
يراقب ويتابع المهتمون بالشأن المالي والاقتصادي كافة قرارات وبيانات أكبر شركات العالم، شركة «آبل» الأميركية رائدة التقنية العملاقة والمعروفة، لما لذلك من آثار وتبعيات متوقعة على قطاعات مختلفة، كما ثبت ذلك من قبل. ولذلك جاء إعلان الشركة الأخير عن قرارها دخول مجال صناعة السيارات الكهربائية، بمثابة الزلزال بالنسبة لشركات تصنيع السيارات عموماً، ولشركة «تسلا» رائدة السيارات الكهربائية تحديداً. فشركة «آبل» شركة جادة ولها سجل مبهر للغاية من النجاحات المميزة، هذا بالإضافة إلى كونها تسبح في بحر من الفوائض النقدية، مما يجعلها قادرة تماماً على دعم خططها وأقوالها بخطوات جادة وفعالة ومؤثرة جداً.
كان مؤسس «آبل» الراحل ستيف جوبز يجيب عن أسئلة الصحافيين، بعد عودته «كمنقذ» لشركته التي أسسها وطرده منها مجلس إدارتها، عن تعريفه لشركة «آبل» إذا كانت لا تزال شركة لتصنيع الحاسب الآلي (وهي التي كانت معروفة بذلك وقتها، لتألقها في منتجات سلسلة الحواسيب المعروفة بالاسم التجاري «ماك») فجاء رد جوبز مدهشاً لمستمعيه، إذ قال: «نحن ثلاث شركات: الأولى في قطاع المعلومات، نصنع أجهزة حواسيب ونقدم معها حلول تقنية («الماك» و«الآيباد») والثانية في قطاع الترفيه، نقدم حلولاً غير تقليدية في هذا المجال في حقل الموسيقى والأفلام، أي القطاعين المرئي والمسموع («آبل تي في» و«الآي تونز»)، والثالثة في قطاع الاتصالات («الآي فون» و«الساعة الذكية»). وكل هذه المنتجات لا تزال تعتبر من إرث المؤسس ستيف جوبز، رغم انقضاء ومرور سنوات غير قليلة على وفاته، وتسلم خلفه تيم كوك القيادة بنجاح، وحافظ على وهج وتألق الشركة، وتمكن من تنميتها وتطويرها إلى مستويات كبرى. ولذلك يعتبر المراقبون قرار دخول «آبل» إلى سوق إنتاج العربات الكهربائية أول قرارات بصمة تيم كوك المستقلة.
ومن المعروف أن الشركة كانت تستثمر في برمجيات السيارات الذاتية القيادة، وهو مجال يغري كبرى شركات التقنية، فقد جذب شركات «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» باستثمارات وأهداف مختلفة، ولكن قرار «آبل » بالدخول في مجال تصنيع العربات الكهربائية كان مفاجئاً للكل.
في السنوات الأخيرة، كان نجم مشهد السيارات الكهربائية هو «تسلا» بلا منازع، وكان لارتفاع قيمة الشركة وزيادة الإقبال على منتجاتها الأثر الواضح والمربك على قرارات الشركات التقليدية المصنعة للسيارات، فمنهم من سرَّع لإنتاج سيارات كهربائية (مثل الشركات الألمانية والأميركية) بينما تحفظت شركة «تويوتا» على فكرة القضاء السريع على السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي، في تصريح لافت لرئيسها منذ أيام قليلة. وطبعاً قرار «آبل» الأخير سيضيف جدية وزخماً عظيماً لسوق العربات الكهربائية وجاذبية الاستثمار فيه، مما سيحفز غيرها؛ إلا أن هناك نقطة بالغة الأهمية والدلالة يجب أخذها في عين الاعتبار؛ معظم القرارات الاستثمارية المؤثرة الكبرى في مجال الطاقة البديلة ذهبت لصالح قطاع الغاز الذي بات من الواضح جداً أنه سيكون البديل الأرخص والأنقى والأنظف والملائم للبيئة، والفعال والمؤثر بشكل يرضي أكبر شريحة ممكنة، وبالتالي سيكون هو الخيار الذي يراهن عليه المستثمرون والمؤسسات المالية العملاقة كمرحلة أولى (وإن كان ذلك لا ينفي أن المرحلة الكهربائية ستأتي بعد ذلك، وبوتيرة وسرعة هائلة).
تخيلوا معي لو تمكنت «آبل» من أن تفعل في صناعة السيارات ما فعلته في قطاع الاتصالات، بعد ثورة «الآيفون» التي غيرت معها وجه العالم للأبد. «آبل» شركة تغير ولا تطور. ساعتها الذكية زلزلت صناعة الساعات حول العالم، وحلولها الترفيهية كانت من أهم أسباب إعادة صياغة السينما والتلفزيون والإنتاج الموسيقي. سيراقب العالم ويحبس أنفاسه في انتظار السيارة الكهربائية الأولى التي ستنتجها «آبل»، والتي حتماً ستكون المعيار الذي ستقاس به هذه الصناعة الثورية ومنتجاتها المدهشة.
احتفل العالم ذات يوم باختراع مذهل اسمه «الآيفون»، دشن عصر الهاتف الذكي الذي كان له الأثر العظيم على حياة الناس، مثل الكهرباء والسيارة والطائرة والقطار وقت انطلاقهم، واليوم ينتظر العالم تدشين حقبة السيارة الذكية المنتجة من «آبل»، رائدة التغيير الثوري في المنتجات. أهلاً بالتغيير الكبير!