حسين شبكشي
هناك قاعدة معروفة في عالم السياسة والاقتصاد... تقول هذه القاعدة إنه كلما ضاقت الظروف الاقتصادية وصعبت، فابحث دائماً عن «حرب جيدة» تحيي بها الاقتصاد وتوحد بها الجهود وتركز بها الطاقات... وهي تحقق نمواً اقتصادياً مفاجئاً، وتنقذ الاقتصاد وتنقذ السياسة معاً. ويبدو أن هناك أصواتاً عالية في هذه الأيام مع ازدياد دقات طبول الحرب قد تجعل ذلك السيناريو ممكناً جداً، خصوصاً في ظل تضخم اقتصادي كبير قد يصيب الأسواق العالمية بالشلل، مما يضاعف من مصاعب أزمات وباء «كورونا» المدمرة وتبعاتها السيئة. وهذا الأمر يشكو منه اليوم بشكل رئيسي اقتصاد الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وهي الكتل التي لا تزال متعثرة صحياً بسبب عدم تحقيق النسبة المطلوبة لتلقي الجرعات من اللقاح حتى يتم تأمين المناعة المجتمعية المطلوبة، وهو الذي انعكس على الأداء الاقتصادي بشكل واضح لا يمكن إغفاله.
وفي هذا السياق، يجري الحديث الآن في أروقة صناعة القرار ومراكز الأبحاث المختصة والوسائل الإعلامية المحترمة الرصينة، عن ثلاث جبهات مرشحة لأن تكون موقعاً لـ«الحرب الجيدة» السريعة التي يتحدثون عنها؛ الأولى ضربة عسكرية سريعة ضد إيران بسبب عدم انصياعها لشروط إعادة إحياء الاتفاق النووي بينها وبين المعسكر الغربي، وستكون، حسب الوصف، ضربة عسكرية محددة موجهة إلى القطاعات الصناعية المختصة في منظومة المفاعلات النووية لديها.وهناك طبعاً الحديث المتعلق بأزمة الصين مع تايوان، في اختراقها المتزايد سماء تايوان وحدودها الدفاعية، وما قد يسفر عن ذلك من مواجهة عسكرية محتملة بين تايوان وحلفائها من جانب والصين من جانب آخر.
ولكن الجبهة الأكثر سخونة، التي يجري الحديث عنها باستمرار في الآونة الأخيرة، هي المواجهة المحتملة بين روسيا وأوكرانيا. وليس سراً ولا خافياً على أحد حجم التصريحات المتتالية التي أدلى بها العديد من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين المتعلقة بالدعم المفتوح واللامحدود لأوكرانيا في حال حدوث أي اعتداء عسكري روسي أو غزو عسكري روسي ضدها. وهي فرضية مبررة؛ نظراً لوجود حشود عسكرية هائلة على الحدود الأوكرانية تتجاوز في بعض الأقوال المائة ألف جندي، مدججين بالعتاد والسلاح الكامل، والمستعد للحراك في أي لحظة تجاه أوكرانيا.
يرجح الخبراء والمحللون الأمنيون والعسكريون أن فرضية غزو روسيا أوكرانيا مسألة قائمة جداً وقابلة للتحقيق بامتياز؛ لمعرفتهم شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطريقة تفكيره، الذي يأتي من خلفية استخباراتية سوفياتية ينتهز بها فرصة ضعف خصمه لينقض عليه، كما حدث ذلك في السابق خلال تجربته مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي هدد حليف روسيا الرئيس السوري بشار الأسد بأن أمامه «خطاً أحمر»، وفي حال استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه فسيلقى عقاباً عسكرياً قوياً، وهو الذي لم يحدث، فالتقط بوتين هذه الإشارة بأن أوباما ضعيف، ولن يستطيع الوفاء بأي تهديد يقوم به. وغزا بوتين بعد ذلك بعدة أشهر جزءاً من أوكرانيا واحتله، وهذا الاحتلال باق حتى اليوم من دون عقاب حقيقي وجدي من الولايات المتحدة. وهي الإشارة نفسها التي يلتقطها اليوم في وجود إدارة أميركية ضعيفة، وقد يستغل بوتين الظرف في القيام بعملية عسكرية شبيهة بالتي قام بها إبان فترة باراك أوباما ضد أوكرانيا.
هذا السيناريو إذا ما حدث، فستكون له أبعاد مهمة؛ ففيها تهديد لاستقرار أسواق النفط بالنسبة إلى روسيا بطبيعة الحال؛ فهي لاعب أساسي ومؤثر في هذه السلعة منتجاً مهماً ومورداً رئيسياً؛ إذ إنه من العقوبات التي تهدد بها أميركا روسيا إخراج روسيا من منظومة الاقتصاد الدولاري تماماً، وبالتالي على روسيا أن تبحث عن وسيلة أخرى لبيع سلعتها النفطية وسلعها الأخرى كافة بطريقة لا يوجد بها تسعير ولا تحويل بالعملة الأميركية الدولار، وهذا طبعاً سيكون تورطاً كبيراً جداً؛ لأنها ستكون وقتها خارج المنظومة الاقتصادية الدولية التقليدية.
هناك أوجه تشابه عديدة بين ما يحدث الآن في مواجهة روسيا بخصوص قضيتها مع أوكرانيا، والمشهد الذي حدث في الستينات الميلادية من القرن الماضي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، المعروف بـ«أزمة الصواريخ» في كوبا. ولكن المشهد اليوم مختلف قليلاً؛ فالإدارة الأميركية تواجه تحدياً في تحديد قوة نفوذها في ثلاث مناطق مهمة: على التخوم الأوروبية فيما يخص أوكرانيا في مواجهة روسيا، وفي منطقة النفوذ الصيني وحماية حليفها التقليدي لها وهو تايوان، وطبعاً أمام التهديد الإيراني وحصول طهران المحتمل على قنبلة نووية واختلال الميزان أمام حليفتها التقليدية إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
سيراقب العالم ما يحدث بجدية واهتمام؛ وإن كان الترمومتر الأقوىحتى الآن لم يتأثر، وهو الأسواق المالية المستقرة التي لم تتأثر سلباً بسيناريوهات الحرب المتوقعة.