أزمة أوكرانيا من زواية أخرى

أزمة أوكرانيا من زواية أخرى!

المغرب اليوم -

أزمة أوكرانيا من زواية أخرى

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

بينما يحبس العالم أنفاسه في انتظار ما سيحدث في الأزمة الأوكرانية، وترقب الغزو الروسي لهذه الجمهورية، يحلل الكثيرون الأسباب المنطقية والموضوعية التي تستدعي دخول القوات الروسية إلى منطقة جغرافية من العالم تعتبرها إرثاً تاريخياً من روسيا الكبرى، وهي أوكرانيا، وتعتبر المساس بتهديد حدودها هو المساس بمنطقتها الأمنية الحساسة والتي من غير المسموح تهديدها أبداً. إلا أنه بالتمعن والتدقيق قد تكون هناك أسباب أكبر للقلق الغربي عموماً والأميركي تحديداً من الأزمة الأوكرانية الحالية، ولعل أبلغ ما جاء إزاء هذا القلق هو تصريح الخبير الاستراتيجي الشهير جورج فريدمان عندما قال: «إن الاهتمام الأساسي للولايات المتحدة لسنوات طويلة والذي من أجله دخلنا الحربين العالميتين الأولى والثانية كان العلاقة بين ألمانيا وروسيا، لأنهما في حالة توحدهما واتحادهما ستصبحان القوة الوحيدة التي من الممكن أن تهدد أميركا، وبالتالي يجب العمل بحرص شديد على ألا يحدث هذا الأمر مجدداً»، وبالتالي هناك قناعة متزايدة في بعض دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة أن أزمة أوكرانيا لا علاقة لها بأوكرانيا نفسها ولكنها تعني ألمانيا، وتحديداً علاقة ألمانيا بروسيا، فالعلاقة الآن مبنية بشكل أساسي على مصالح اقتصادية بين البلدين، والمتنامية بشكل أساسي في مشروع إمدادات الغاز المعرفة باسم «مشروع نورد ستريم الثاني»، وواشنطن ترى أن هذا المشروع هو تهديد مباشر وصريح للمصالح الغربية في القارة الأوروبية، وحاولت مراراً وضع حد لهذا المشروع، ومع ذلك بقيت ألمانيا تدافع عنه وتستمر في السير فيه قدماً، لأن ألمانيا لديها قناعة بأنه بتحقيق هذا المشروع وإيصاله لخطواته النهائية سيكون لديها مصدر معتمد للطاقة بشكل اقتصادي يساعد الشركات والمؤسسات الاقتصادية في ألمانيا على تحقيق أهدافها، بينما تحقق روسيا المنافع الاقتصادية المرجوة من هذه العلاقة. وبالتالي هذه مسألة ترضي الطرفين، ولكن الدوائر السياسية في صناعة القرار الخارجي في أميركا ليست على قدر كافٍ من الارتياح تجاه هذا التطور في العلاقة بين روسيا وألمانيا، إذ صناع القرار لا يريدون أن يزيد الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية، لأن التجارة تبني الثقة والثقة تبني التوسع في التجارة والاقتصاد والاستثمار، وكلما زاد الدفء في العلاقات بين البلدين تخفض القيود التجارية بينهما، وتتوطد العلاقة أكثر وتزال القيود والتشريعات المقيدة، فتزيد معدلات الاستثمار والسفر والسياحة، وبالتالي يتم بناء منظومة أمنية مشتركة بينهما، ومن ثم (وهذا الأخطر بالنسبة لأميركا) لن يكون هناك داعٍ لأسلحة أميركية ولا منظومة دفاع وصواريخ ولا الحاجة للحلف الأطلسي نفسه بأن يستمر في الوجود في ألمانيا أو حتى في القارة الأوروبية بعد ذلك. وأيضاً لن يكون هناك احتياج لممارسة العمليات التجارية بالعملة الأميركية الدولار ولا زيادة المخزون الاستراتيجي من سندات الخزينة الأميركية لتعويض الفارق التجاري بين البلاد، لأنه بالتالي سيكون بالإمكان إتمام العمليات التجارية بعملة البلدين سواء أكان الروبل الروسي أو اليورو الأوروبي في حالة ألمانيا.
إذا تمعنا في الخسائر المتوقعة لهذا النهج المنتظر بين روسيا وألمانيا وخطورة ذلك على أميركا، فمن الممكن فهم التحفظ والرفض الأميركي الشديدين لتطوير العلاقة بين روسيا وألمانيا. فالمسألة بالنسبة للولايات المتحدة تتخطى بكثير موضوع خطوط أنابيب يتم بها إمداد الغاز الروسي إلى ألمانيا ولكنه يمثل نافذة للمستقبل بما ستكون عليه الأمور إذا تطورت وزادت العلاقة بين ألمانيا وروسيا ما سيكون له تهديد مباشر على المنظومة الأمنية المستقبلية للمعسكر الغربي لأن التاريخ يكرر نفسه والعالم شهد ما حصل حينما تقترب ألمانيا من روسيا كما حصل في الحربين العالميتين السابقتين.
بمعنى أدق وأوضح سيعني دفء العلاقات الذي من الممكن أن يحدث بين ألمانيا وروسيا عملياً وتنفيذياً وواقعياً، نهاية مرحلة القطب الأوحد في العالم السياسي والعسكري، والتي حرصت الولايات المتحدة على أن تصل إليها في آخر خمس وسبعين سنة من الصراعات المختلفة، وهي مرحلة تخشى الولايات المتحدة والمعسكر الغربي من حدوثها لأنها ستغير قوانين وقواعد اللعبة، ولذلك يكون من المنتظر والمتوقع أن تقاوم أميركا بكل إمكاناتها من تطور نوعي لمشروع نورد ستريم الثاني وبالتالي الإبقاء على ألمانيا في مدارها، لأنها بالتالي تعتبر هذا الأمر مسألة حياة أو موت من الناحيتين السياسية والأمنية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة أوكرانيا من زواية أخرى أزمة أوكرانيا من زواية أخرى



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 05:02 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
المغرب اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 15:40 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات عن إنتاج الخام الأمريكي

GMT 15:58 2022 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهم اليابان تحقق مكاسب طفيفة بتأثير من مخاوف رفع الفائدة

GMT 21:29 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

الأمن المغربي يطيح بسارق وكالة بنكية في مدينة فاس

GMT 04:02 2022 الأحد ,16 كانون الثاني / يناير

الرجاء المغربي يقدم عرضا رسميا لضم اللاعب حمزة خابا

GMT 20:31 2021 الجمعة ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الإصابة تُبعد نوير عن مواجهة رومانيا في تصفيات المونديال

GMT 02:28 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 11 شخصًا إثر أعمال عنف في ساحل العاج

GMT 13:09 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الرحلات البحرية من المغرب إلى إسبانيا‬

GMT 00:29 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيقات في المغرب تكشف تورط "راق شرعي" في جريمة زاكورة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib