بقلم : عماد الدين حسين
أوزبكستان من أنظف وأروع البلدان التى زرتها، وشعبها شديد الجدية ومنظم ومهذب بصورة تجعلك تقع فى غرام هذا البلد وشعبه.زرت أوزبكستان لمدة أقل من ثلاثة أيام بدأت نهاية يوم الجمعة وحتى مساء الإثنين الماضى للمشاركة فى مراقبة الاستفتاء الشعبى على التعديلات الدستورية التى طرحها رئيس البلاد شوكت مير ضاريف. 90.2% من الشعب الأوزبكى وافق على التعديلات بنسبة مشاركة بلغت 84.54% وأهم هذه التعديلات إلغاء عقوبة الإعدام وتحسين حقوق الإنسان وإجراءات اقتصادية تصب فى مصلحة سكان 36 مليون أوزبكى منها دعم التعليم المجانى وتحرير الاقتصاد وزيادة مدة الرئاسة من خمس إلى سبع سنوات.
هذه هى زيارتى الثانية لهذه الدولة، الأولى كانت للمشاركة فى مراقبة الانتخابات الرئاسية التى جرت فى أكتوبر ٢٠٢١. وحينما عدت قبل الأيام وجدت الأمور إيجابية كما هى.
تجولت فى شوارع كثيرة برفقة الصديق الكاتب الصحفى والإعلامى المعروف أحمد المسلمانى سيرا على الأقدام وبالسيارة ودخلنا مؤسسات ومطاعم وحدائق ومتاحف وجامعات ولجان انتحابية. الشوارع شديدة النظافة، ومن الواضح أن ذلك سياسة عامة يطبقها الجميع وليس شيئا مصطنعا.
حاولت كثيرا أن أجد ورقة أو منديلا ملقى على الأرض فلم أنجح. هناك صناديق ملونة للقمامة عبارة عن أربعة ألوان، فى كل صندوق يمكنك أن تلقى بالمخلفات حسب نوعيتها. البعض للورق والآخر للزجاج والثالث للقمامة والرابع للسوائل.
العديد من الشوارع مزروعة بالورود والأزهار الجميلة فى منتصف الشارع أو على أحد جانبيه، ولا يقوم الناس بقطفها أو إتلافها بالمرور عليها.
وربما كانت الخضرة الكثيفة هى أهم ما يميز شوارع طشقند وسمرقند. أشجار متلاصقة فى كل مكان، بل فى أحد شوارع سمرقند حيث توجد العديد من الجامعات زرنا لجنة انتخابية داخلها. هناك شوارع تغطيها الأشجار بالكامل ملتصقة من جانبى الطريق، وهو شارع توجد به مساكن الطلاب. وهو منظر خلاب بلا حدود.
الأنهار والترع لا يمكنك أن تلمح مخلفات ملقاة داخلها كما يحدث فى بعض دول العالم الثالث، بل هى شديدة النظافة لدرجة لا توصف.
فى خارج مدينة سمرقند هناك متنزهات عامة فوق أحد الأنهار الصغيرة، وبها مجموعة من الفنادق، المشهد بأكمله يأخذ الألباب، لدرجة تشعر أنك داخل مشهد سينمائى مصنوع. الناس لا يجلسون على النجيل بل هناك مقاعد مخصصة لهم، ولا يكتبون عليها العبارات المعروفة من قبيل «أحمد ومنى وبينهما القلب» أو العبارات البذيئة!!
إحدى العلامات المهمة لتقدم أى بلد أيضا هو المرور وخلال الزيارتين لأوزبكستان فإن احترام قواعد المرور صارمة بشكل لا يصدق. كنا نركب سيارة دبلوماسية ومعنا مرافقون من وزارات وهيئات مهمة. ورغم ذلك لم يتجاوزوا أو يرتكبوا أى مخالفة، معظم السيارات من طراز شيفروليه لأن هناك مصانع محلية تنتج هذا الطراز بنسبة ٩٠٪ تقريبا مما يوفر عملة صعبة مهمة وكذلك فرص عمل كثيرة.
السرعة داخل شوارع المدن ٦٠ كيلومترا فقط، وعلى الطرق السريعة ٧٠ كيلومترا إذا كان معك أسرة، و١٠٠ كيلو إذا كنت بمفردك، ولكى تحصل على رخصة قيادة فلابد من تلقى تدريب إلزامى لمدة ثلاثة أشهر، ثم امتحان لا هوادة فيه وكله إلكترونى، حيث لا تعرف من الذى يقوم بامتحانك وبالتالى تنعدم الوساطة تماما.
هناك أرصفة ممهدة للمشاة وتراعى ذوى الاحتياجات الخاصة، ولا يستطيع أى محل أو متجر أن يغير فى طبيعة الرصيف على مزاجه، كما يحدث أحيانا فى دول أخرى. وحتى معظم لافتات وأسماء المحلات مكتوبة بصورة موحدة.
الطراز المعمارى فى أوزبكستان شديد التميز والخصوصية والعمارة الإسلامية تلعب دورا واضحا هناك. ومعلوم أن أوزبكستان متميزة فى هذا المجال، ولذلك فإن طريقة البناء وواجهات المبانى تعكس هذا التميز، ناهيك عن جمال ونظافة الواجهات.
فى محطتى القطارات فى طشقند وسمرقند لا تشعر أن هناك سفرا. الناس يقفون فى طابور لدخول القطار، ومقر المحطة شديد النظافة وبه العديد من الزهور والورود. الموظفون يساعدون الركاب بتقديم المعلومات المختلفة. داخل القطار كل شخص ملتزم بمقعده. لا أحد يقف فى الطرقة أو بين العربات أو يدخن. التذكرة تتضمن تقديم ساندوتش أو بعض المقرمشات ومشروبا ساخنا. دورة المياه شديدة النظافة وهى مظهر مهم للرقى والتقدم. المواطنون يتعاملون مع الأجانب بمنتهى اللطف والتحضر ويساعدون قدر الإمكان وإن كان معظمهم لا يتحدث بالإنجليزية، بل الروسية لكبار السن إضافة للغة الأوزبكية.
تحية كبيرة للشعب الأوزبكى ولأوزبكستان التى قدمت العديد من العلماء الكبار للحضارة الإسلامية مثل الخوارزمى ووالزمخشرى والبيرونى والبخارى وابن سينا والترمذى والبيهقى والفرغانى.