هناك اعتقاد خاطئ لدى الكثيرين أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي بصفة عامة، يمكن أن تجعل الإعلام يتقدم ويتطور، حتى لو لم يقم الإعلاميون بدورهم.
المؤكد أن الرقمنة وسائر أدوات وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة، لعبت دوراً مهماً وكبيراً في زيادة انتشار وفاعلية العديد من مناحي الحياة، ومنها الذي استفاد استفادة كبيرة جداً، لكن ما لا يمكن الاختلاف عليه، هو أن المحتوى المتميز هو حجر الأساس في العملية بكاملها.
يوم 21 مايو الجاري، شاركت في جلسة ثرية في «منتدى الأردن للإعلام والاتصال الرقمي»، كان عنوانها: «الزمن الرقمي من منظور ثقافي وإعلامي»، شارك فيها الدكتور علي بن تميم الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، والدكتور زيد الفضيل مسؤول البرنامج الثقافي في مركز الخليج للدراسات.
في تقديري أن المحتوى الجيد، هو الذي سيفرض نفسه في النهاية، سواء كانت وسيلة الإعلام تقليدية أم إلكترونية. وخلال كلمتي في الندوة، حكيت للحاضرين أن جريدة البيان كانت سباقة في تبنّي كل ما هو حديث ومتطور، وأتذكر أن رئيس التحرير الأسبق، الأستاذ ظاعن شاهين، كان قد حدد يوم 6 مايو 2006، موعداً لعدم استخدام الأوراق في عملية إنتاج الصحيفة، بمعنى أن تكون عملية إنتاج المادة الصحافية إلكترونية بالكامل، واليوم، فإن الصحيفة نفسها من أوائل الصحف التي تتعامل مع تطبيقات التكنولوجيا الحديثة.
أعود إلى الندوة، وما أثارته من أسئلة، أراها مهمة جداً، خصوصاً للإعلام العربي الذي يحاول جاهداً اللحاق بالثورة التكنولوجية في الإعلام الغربي.
لا تزال بلدان عربية كثيرة مستهلكة للتكنولوجيا الحديثة، وليست منتجة لها، ومن بينها الإعلام، فمعظم منتجات التكنولوجيا الحديثة أجنبية بالكامل، سواء كانت أمريكية أو أوروبية أو آسيوية.
الملاحظة الثانية، هي أنه، ورغم التوسع في استخدام الرقمنة في صناعة الثقافة، فإن عدداً كبيراً من المكتبات في مصر، ومنها مكتبة الشروق، ما زال الكتاب الورقي يمثل أكثر من 95 ٪ من إنتاجها.
ثم إن الزمن الرقمي جزء كبير منه تقليدي، خصوصاً في الإعلام، فأغلب المواد الصحافية المنشورة في مواقع رقمية مصرية وعربية، هى موجودة بالأساس في وسائل إعلام تقليدية، جرى نقلها إلى وسائل إعلام رقمية، وبالتالي، يصعب القول إن عدداً كبيراً من المواقع الإعلامية الإلكترونية العربية، هي رقمية بالكامل.
لا أقلل إطلاقاً من الرقمنة، بل أراها في غاية الأهمية، وهي ثورة كبرى في كل شيء، واستفدنا منها كثيراً في الإعلام العربي، لكن ما ألح عليه، هو ضرورة أن ندرس الأمور بهدوء، حتى تكون الاستفادة من الثورة الرقمية كاملة.
في مقدم ذلك، أن تكون لدينا بيانات وإحصاءات دقيقة عن تأثير الرقمنة في الإعلام والثقافة العربية. بمعنى هل زاد توزيع الصحف والمواقع الإلكترونية نتيجة استخدام الرقمنة، وهل وصلت إلى جمهور جديد، والأهم، هل هناك تأثير في الجمهور، وليس فقط مجرد الوصول إليهم.
النقطة الثانية: هل المجتمعات العربية تستخدم الرقمنة بالصورة الصحيحة، بما يغير من هذه المجتمعات للأفضل، أم أن معظمنا يستخدم قشور هذه التطبيقات فقط؟.
في تقديري أن الرقمنة ثورة عظيمة، لكن المهم أن نتذكر دائماً أن الفيصل هو المضمون والمحتوى، الذي يتم تقديمه لجمهور المستهلكين، وهم في حالتنا الراهنة، قراء ومشاهدو وسائل الإعلام الرقمية.
علينا كإعلاميين عرب، أن نبذل كل الجهد في تقديم محتوى إعلامي جيد ومتميز وجذاب وصادق ودقيق، حتى نقنع الجمهور بمتابعة إعلامنا العربي، بدلاً من ذهابه إلى وسائل إعلام أجنبية، قد لا تكون بريئة، وتدس السم في العسل.