بقلم - عماد الدين حسين
فى هذا المكان انتقدت أكثر من مرة بعض سياسات الحكومة التى قادت إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة، لأن مسببات الأزمة لم تكن فقط خارجية.
واليوم وجب توجيه التحية والتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسى على الحزمة العاجلة للحماية الاجتماعية والتى صدرت مساء الأربعاء الماضى بقيمة إجمالية تصل إلى ١٨٠ مليار جنيه، يستفيد منها معظم المصريين.
القرارات هى الأضخم «عدديا ورقميا» مقارنة بكل أنواع الحزم الاجتماعية السابقة، والخطأ الأكبر الذى وقع فيه كثيرون من الذين علقوا عليها أنهم حصروها فى عنوان واحد هو رفع الحد الأدنى للأجور من أربعة آلاف جنيه إلى ستة آلاف. وهذه الزيادة هى الأكبر منذ وضع الحد الأدنى للأجور بـ١٢٠٠ جنيه أيام حكومة حازم الببلاوى عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وكان الرئيس السيسى وقتها نائبا لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، وهو الذى وقف خلف هذا القرار رغم معارضة بعض الاقتصاديين داخل مجلس الوزراء وقتها خوفا من التضخم وعدم كفاية الموارد.
قرارات الأربعاء مهمة جدا ولا تقتصر على الحد الأدنى الذى سوف يستفيد منه المعينون حديثا، لكن هناك أيضا زيادات بقيمة ألف جنيه للدرجات السادسة والخامسة والرابعة و١١٠٠ جنيه للأولى والثانية والثالثة، و١٢٠٠ جنيه للدرجات الممتازة والعالية والمدير العام، أما العاملون فى الهيئات الاقتصادية فسوف تزيد أجورهم بحد أدنى من ١٠٠٠ إلى ١٢٠٠ جنيه أما المخاطبون بقانون الخدمة المدنية فلهم علاوات دورية بنسبة ١٠٪ ولغير المخاطبين بالقانون بنسبة ١٥٪ بحد أدنى ١٥٠ جنيها.
التطور المهم فى الزيادات الأخيرة، وهى الأعلى على الإطلاق أنها شملت معظم الفئات والمجالات والقطاعات ولم تقتصر على موظفى الحكومة فقط، بل وصلت إلى أصحاب «الكوادر الخاصة» الذين لم يستفد بعضهم من كثير من الحزم الاجتماعية السابقة.
على سبيل المثال فإن المعلمين وأساتذة الجامعات حصلوا على زيادة إضافية تتراوح بين ٣٢٥ جنيها و٤٧٥ جنيها. كما حصل الأطباء والعاملون بالتمريض والصيادلة العاملون فى وزارة الصحة على زيادة من ٢٥٠ إلى ٣٠٠ جنيه كبدل مخاطر.
أما أصحاب المعاشات والمستفيدين من مشروع «تكافل وكرامة»، فقد زادوا بنسبة ١٥٪.
والقرار المهم الأخير هو رفع حد الإعفاء الضريبى بالدولة للعاملين بالقطاعين العام والخاص والحكومى بنسبة ٣٣٪ من ٤٥ ألف جنيه إلى ٦٠ ألف جنيه، وهو ما يعنى أن أى موظف مرتبه خمسة آلاف جنيه فأقل لن يدفع أى ضرائب.
ما سبق هو التفاصيل المهمة لقرارات يوم الأربعاء الماضى، والنقطة المهمة التى أود التركيز عليها هى أن الموظفين عموما، وكل أصحاب الدخل الثابت خصوصا هم الفئة الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية الأخيرة الطاحنة. التضخم غير المسبوق والارتفاع الجنونى فى أسعار الدولار والانهيار غير المسبوق فى سعر الجنيه، أدى إلى ارتفاعات بلا حدود، وتكاد تكون يومية فى مختلف أسعار السلع والخدمات. هذا الغلاء دفع ثمنه أصحاب الدخول الثابتة لأن قيمة ما يتقاضونه من أموال تراجع كثيرا بفعل التضخم، والزيادات التى حصلوا عليها فى العامين الأخيرين لم تكن كافية لمواجهة تداعيات الأزمة. وبالتالى فإن القرارات الأخيرة جاءت لجبر خواطر هذه الفئة.
شكرا للحكومة والرئاسة التى أنصفت إلى حد ما الفئات الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية، لكن تظل هناك بعض الأمور المرتبطة بهذه القرارات ينبغى مراعاتها حتى لا يستغلها أصحاب النوايا السيئة خصوصا تجار الأزمات والمضاربين والمحتكرين، وكل الذين تربحوا من الأزمات الأخيرة خاصة ارتفاع أسعار الدولار منذ مارس ٢٠٢٢، إضافة إلى ضرورة أن تتمكن الحكومة من الوصول إلى رفع الحد الأدنى للعاملين فى القطاع الخاص بنسبة معقولة بالتفاوض مع ممثلى أصحاب الأعمال والعمال.
أما الرهان الأكبر فهو قدرة الحكومة على حل الأزمة الاقتصادية فى الأيام والأسابيع المقبلة بصورة دائمة خصوصا حل مشكلة سعر الصرف، حتى لا يضيع أثر هذه القرارات بفعل شروط صندوق النقد والمحتكرين والمضاربين.