هناك لا شك أسباب خارجية للأزمة الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر، لكن المؤكد أن هناك أسبابا داخلية كثيرة، يمكن للحكومة أن تتحرك فيها وتتخذ قرارات حاسمة تشعر المواطنين بجديتها.
اليوم سأركز على عنصر أساسى من هذه الأسباب الداخلية وهو الانفلات شبه الشامل فى أسعار السلع والخدمات، حيث يعرض كل بائع أو تاجر السعر حسب مزاجه من دون خوف من محاسبته.
أعرف أن السبب الأساسى فى ارتفاع أو انخفاض الأسعار هو العرض والطلب، لكن ومن مشاهدات عينية مباشرة، فإن الأمر ليس هكذا على طول الخط فى بعض الأسواق المصرية، ولا أقول كلها.
وهذا الانفلات الشامل فى الأسعار بسبب جشع وطمع بعض التجار لا يقتصر على سلعة ترفيهية وكمالية أو أساسية أو ما بينهما، بل يبدأ من «حزمة الجرجير» مرورا بالسجائر ونهاية بسلع مثل الخبز والأرز.
لا أتحدث فى هذا المقال عن ارتفاع الأسعار فأنا أدرك تماما أسباب ما حدث وأهمها ارتفاع قيمة الدولار امام الجنيه بنحو الضعف تقريبا، وبالتالى فإن كل السلع المستوردة ارتفعت بنفس النسبة تقريبا وربما أكبر، كما أن بقية السلع ارتفعت مع زيادة معدل التضخم.
لكن ما أتحدث عنه اليوم هو باختصار أنه إذا كان سعر سلعة قبل التعويم عشرة جنيهات، وصار سعرها بعد التعويم عشرين جنيها، أى الارتفاع الحقيقى الذى حدث بالفعل.
فالسؤال هو: لماذا تباع هذه السلعة بثلاثين جنيها؟!
مرة أخرى قد يبادر البعض ويقول إنه العرض والطلب يا عزيزى.. فهل تريدنا أن نعود دولة شمولية ونفرض التسعيرة الجبرية؟!
سؤال يبدو وجيها ولكنه ليس صحيحا، لا أطالب بالتسعيرة الجبرية لأنها غير عملية وتحتاج أن تعود الحكومة منتجا حتى تتحكم فى الأسواق، وأرى أن قاعدة العرض والطلب صحيحة وتضبط نفسها بنفسها، لكن شرط أيضا أن تلعب الحكومة دور المنظم والمراقب والضابط الحقيقى فى الأسواق.
ما أطالب به فقط أنه عندما تقوم الحكومة بزيادة أسعار السجائر مثلا، وتحدد تسعيرة معينة، فكيف تسمح بأن يفرض كل تاجر كبير أو صاحب كشك صغير بأن يبيع علبة السجائر بأعلى من ثمنها بخمسين فى المائة أحيانا؟!
وقبل شهور حددت الحكومة أوزان وأسعار الخبز السياحى، وغير المدعم.
وفى يوم ٢٠ مارس من العام الماضى نشرت الجريدة الرسمية قرار مجلس الوزراء بتحديد سعر الخبر الحر بحيث يكون سعر الرغيف زنة ٤٠ جراما بخمسين قرشا، وزنة ٦٥جراما ٧٥ قرشا وزنة ٩٠ جراما جنيها واحدا.
ويومها حدد مجلس الوزراء عقوبة مخالفة هذه الأسعار بغرامة لا تقل عن ١٠٠ ألف جنيه ولا تجاوز ٥ ملايين جنيه.
ويعلم الجميع أن هذا القرار لم ينفذ، وعلى حد علمى، فإن الأسواق المحيطة بمجلس الوزراء لم تلتزم إطلاقا بهذا الأسعار. علما أن الحكومة أنصفت أصحاب المخابز بهذه الأسعار حينما ارتفعت أسعار استيراد طن القمح بعد الغزو الروسى لأوكرانيا من ٢٤٥ دولارا للطن إلى أكثر من الضعف.
والمفاجأة أن الأسعار ظلت تواصل الانخفاض حتى وصلت إلى نحو ٣٠٠ دولار لكن سعر الرغيف يواصل الارتفاع. السؤال بسيط الذى يسأله كل مواطن.. لماذا عندما ترتفع الأسعار العالمية يقوم التجار برفع أسعار السلع وهذا حقهم، لكنهم لا يخفضون الأسعار حينما تنخفض عالميا؟!!
لكن مرة أخرى السؤال الأكثر أهمية هو لماذا يمارس بعض التجار جشعهم من دون حسيب أو رقيب؟
السؤال موجه إلى الحكومة وهو ببساطة: أين هو دور الأجهزة الرقابية المنوط بها مراقبة الأسواق والتأكد من تطبيق القوانين؟ وكيف يُترك المواطنون فريسة لبعض التجار، ولماذا لا ينزل مفتشو التموين مثلا للتأكد من أن سعر رغيف الخبر أو علبة السجائر أو أى سلعة أخرى كما هى محددة؟!. ولماذا يتم ترك بعض التجار يكسبون ويكدسون الملايين والمليارات من دون وجه حق، على حساب ملايين المواطنين؟!
أسئلة بسيطة أرجو أن تراعيها الحكومة لأنه حينما يؤمن المواطنون بأن الحكومة تراقب الأسعار فإنهم سوف يتحملون أى شىء والعكس صحيح.
ضرب التجار المنفلتين والجشعين واجب قومى فى هذه الفترة شديدة الصعوبة لأنها ستبعث برسالة قوية للناس أن الحكومة واعية للأمر وتقف بجوار الناس.