بقلم : عماد الدين حسين
أسوأ سيناريو اقتصادى واجتماعى وسياسى هو أن نعود مرة أخرى بعد أربع أو خمس سنوات لإجراء تعويم جديد كبير للجنيه المصرى فى مواجهة الدولار وبقية العملات الأجنبية.
وبالتالى لابد من العمل بجدية لتغيير البوصلة وحل المشكلة من جذورها، حتى ننطلق إلى الطريق الصحيح والقويم.
الفكرة السابقة جاءتنى من وحى نقاش جاد وموضوعى مع الصديق الإعلامى الكبير خيرى رمضان فى برنامج «حديث القاهرة» على قناة «القاهرة والناس» مساء السبت الماضى، بمشاركة من المهندس شريف الصياد رئيس المجلس التصديرى للصناعات الهندسية، ومحمد رستم الأمين العام للشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، ومحمد سامى سعد رئيس الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، ومجد الدين المنزلاوى رئيس لجنة الصناعة والبحث العلمى بجمعية رجال الأعمال المصريين.
الفكرة باختصار أننا نستورد بنحو من ٧٥ ــ ٨٠ مليار دولار، ولا نصدر إلا بنحو ٤٠ مليار دولار سنويا.
وبالتالى هناك فجوة بين ما نصدره وما نستورده بنحو ٤٠ مليار دولار سنويا. واستمرار هذه الفجوة سيجعلنا فى أزمة دائمة، فطالما أنك تستورد بأكثر مما تصدر، وتستهلك بأكثر مما تنتج، فسوف تظل المشكلة مستمرة ودائمة ومتجددة، وسنضطر للاستدانة والاقتراض بكل أنواعه، ثم الاستدانة مرة أخرى من أجل رد الديون الأولى ورد الفوائد عليها، وهذا الأمر سوف يظل يتراكم حتى ندخل فى مصيدة محكمة لا قدر الله.
ما نحصل عليه من دولارات يأتى من عائدات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والتصدير، ولكنه أقل مما نحتاج، وبالتالى نحتاج إلى تغيير البوصلة تماما وأن نحدد الهدف بدقة حتى لا نعود لتكرار نفس الأمر كل فترة.
مرة أخرى فإن كثيرا من الناس يعتقدون أن الأمر متوقف على قرار إدارى من الحكومة يحل المشكلة الاقتصادية، وليت الأمر كان كذلك، لكنه يحتاج إلى تغيير فى ثقافة العمل وثقافة الإنتاج واتخاذ قرارات غير تقليدية حتى نضع أنفسنا على بداية الطريق الصحيح، والمفتاح الأساسى هو أن تكون لدينا صناعة حقيقية بغرض التصدير.
الخبراء الأفاضل الذين تحدثوا فى البرنامج وبما أن أيديهم فى الصنعة، فهم يقدمون اقتراحات عملية مثل ضرورة التخلى عن سياسة التجميع، وبدلا منها نركز على صناعة المكونات والخامات، التى تستنزف الجزء الأكبر من العملة الصعبة، فمثلا فى مصر لا يوجد أى مصنع ينتج مادة الاستانلستين الأساسية فى العديد من المنتجات، فى حين أننا لا نحتاج إلى مصانع جديدة للأجهزة المنزلية التى نملك منها ١٣ مصنعا.
الخبراء يقولون إننا نحتاج لدراسة نموذج المغرب الشقيق التى ركزت فى صناعة السيارات لمدة عشر سنوات، وصارت تنتج ٧٠٠ ألف سيارة عادية، ثم بدأت فى صناعة السيارات الكهربائية، وبعدها صناعة المكونات، والآن تستثمر فى الطاقة النظيفة.. المغرب سكانها نحو ٣٧ مليون نسمة، وبالتالى فإن نصيب المصرى من الصادرات ٣٨١ دولارا، والمغربى أربعة أضعافه.
الخبراء يقولون أيضا إننا نحتاج إلى اتخاذ قرارات جريئة مثل تشجيع تجارة الترانزيت منخفضة التكاليف، لكنها ذات عائد كبير، ومصر لها مكان استراتيجى يفترض أن تتميز فى هذه الصناعة. وهناك اقتراح أيضا بتعزيز الصفقات المتكافئة أى الاستيراد المتبادل مما يحد من الطلب على الدولار. والتوسع فى إنشاء المناطق الحرة بين المحافظات لغرض التصدير، وجذب استثمارات من دول أخرى، والبحث فى أفكار جديدة لزيادة الدخل من السياحة، وتدريب وتأهيل العمالة بغرض السفر للخارج وبالتالى المزيد من تحويلات المصريين لكن الأساس هو التصدير الصناعى لأن السياحة والتحويلات وقناة السويس مصادر قد تتأثر بتغيرات عالمية.
النقطة الجوهرية التى خرجت بها من النقاش هى أن هناك عوامل متعددة داخلية وخارجية وراء الأزمة الاقتصادية التى نعيشها، لكن الأساس هو تلك الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وبين التصدير والاستيراد، وعلى الجميع التأكد من أنه ما لم نسد هذه الفجوة فإن الأزمة مستثمرة، وسوف تتجدد كل ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، ووقتها قد نضطر للجوء لصندوق النقد الدولى وبقية مؤسسات التمويل الدولية ومساعدات شركاء التنمية، ثم نضطر لا قدر الله أيضا لتعويم جديد للجنيه والدخول فى متاهة أصعب كثيرا مما يحدث الآن.
لا بديل عن تغيير البوصلة لزيادة الإنتاج والتصدير بكل الطرق.