بقلم : عماد الدين حسين
فى الواحدة إلا الربع من ظهر الأربعاء الماضى، حضرت المؤتمر الصحفى للرئيس الأوكرانى فولودومير زيلينسكى والأمين العام لحلف شمال الأطلنطى «الناتو» ينس ستولتنبرج قبل ساعات قليلة من اختتام القمة السنوية للناتو والتى انعقدت فى العاصمة الليتوانية فيلينوس يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
المؤتمر الصحفى انعقد فى قاعة المسرح الكبير بمركز المؤتمرات الموجود داخل منطقة غابات عليها حراسات شديدة لتأمين هذه القمة التى تضم قادة دول الحلف الـ ٣١ إضافة إلى قادة ووفود من دول شريكة أو مدعوة بإجمالى أكثر من ألفى مشارك.
الصحفيون توافدوا على القاعة قبل بداية المؤتمر بساعة كاملة لضمان الجلوس على أحد المقاعد، ورغم ذلك جلس البعض على أرضية الممر الواصل بين مقاعد المسرح.
زيلينسكى دخل للقاعة مرتديا نفس التيشيرت الزيتى، وحرص على الحديث والرد على الأسئلة باللغة الأوكرانية، رغم أنه يجيد الإنجليزية بطلاقة.
جاء زيلينسكى للقمة ولديه بصيص من الأمل فى قبول عضوية بلاده فى حلف الناتو بصورة فورية رغم أنه يدرك أن ذلك شبه مستحيل، لأنه يعنى عمليا تطبيق المادة الخامسة من تأسيس الحلف التى تدفعه لدخول الحرب فورا ضد روسيا دفاعا عن إحدى الدول الأعضاء وهو الأمر الذى حرص على تأكيده الرئيس الأمريكى جو بايدن أكثر من مرة.
والصيغة التى تم التوصل لها فى البيان الختامى للقمة كانت حلا وسطا وترضى كل الأطراف تقريبا فهى ترضى روسيا لأنها لم تقبل أوكرانيا فورا، وهو المطلب الذى كانت تريده موسكو مكتوبا قبل بداية الحرب. وكان واضحا إصرار ستولنبيرج على التأكيد بأنه لا يحق لروسيا أن تستخدم الفيتو وتحدد لنا من يدخل ومن لا يدخل الحلف.
هذه الصيغة أرضت الدول الكبرى فى أوروبا خصوصا فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لأنها لا تريد أن تدخل فى حرب قد تتحول إلى نووية تدمر الأخضر واليابس، وهى صيغة ترضى أوكرانيا إلى حد ما لأنها تقدم لها تقريبا ما يقدمه الناتو لأعضائه، لكن من دون عضوية كاملة مع تعهدها بالوفاء بمتطلبات العضوية.
قبل وصول زيلينسكى للقمة وصف تردد الحلف بأنه عبثى لكنه خرج راضيا منها إلى حد كبير. فقد تضامن معه الجميع والأهم أيضا عقد اجتماع غير مسبوق مع قادة الدول السبع الكبرى ورأيناهم جميعا يصعدون للمسرح قبل نهاية القمة متشابكى الأيدى ومتعهدين بدعم أوكرانيا بصورة منهجية وتحدث بايدن مقدما الشكر للجميع لكنه خص اليابان بالمديح لدورها الملموس فى دعم أوكرانيا.
الحلف قدم لأوكرانيا عمليا ما لم يكن يتصوره أى من المراقبين قبل شهور، فقد قدم لها كل أنواع الأسلحة تقريبا الدفاعية والهجومية، بل والقنابل العنقودية المحرمة دوليا، ولا ينقصه إلا أن يقدم لها الأسلحة النووية كما أعفاها من الإجراءات الطويلة والعديد من الإصلاحات للانضمام إلى الناتو التى تخضع لها كل الدول التى تريد الحصول على العضوية، الحلف أنشأ أيضا «مجلس الناتو ــ أوكرانيا» لتعزيز الحوار والتعاون بين الجانبين.
عمليا فإن قمة الناتو جعلت عضوية أوكرانيا قريبة جدا، والمؤكد أنه بمجرد انتهاء الحرب ستنضم أوكرانيا بصورة سريعة، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية عسكرية تجعل القوات الروسية تستعيد زمام المبادرة وتكسر الهجوم الأوكرانى المضاد.
ستولنبيرج قال بوضوح إن أوكرانيا أصبحت قريبة جدا من الانضمام. وعمليا فإن المراقبين يقولون إن أوكرانيا صارت عضوا فعليا على أرض الواقع فى الناتو، لكن من دون إعلان رسمى حتى لا يتم إعلان حرب رسمية مع روسيا.
القمة أكدت على أن كل دولة داخل الناتو ستدخل فى اتفاقيات ثنائية مع أوكرانيا لتقديم الدعم لها، خلال فترة زمنية طويلة المدى، ليس فقط للصمود العسكرى، ولكن لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
خلال المؤتمر الصحفى تحدث زيلينسكى عن كل شىء وحرص ستولنبيرج على إظهار دعم الناتو لأوكرانيا، وفى نهاية المؤتمر خرج الرئيس الأوكرانى مبتسما، وكان لافتا للنظر أن غالبية الصحفيين الموجودين فى القاعة قد صفقوا له، وهذا منطقى لأن معظمهم جاءوا من دول إما أعضاء فى حلف الناتو أو مقربين منهم.
زيلينسكى حصل فى هذه القمة على ما لم يحلم به ليس لسواد عيونه وليس حبا فقط فى أوكرانيا ولكن لاستنزاف روسيا وإنهاكها وإضعافها حتى لو كان الثمن تدمير أوكرانيا. مرة أخرى من الواضح أن المحطات الأكثر سخونة فى الحرب الروسية الأوكرانية لم تشهدها بعد، ونسأل الله ألا نصل إلى السيناريو الكابوسى وهو الحرب العالمية النووية.