بقلم : عماد الدين حسين
النموذج السياسى فى الأردن جدير بالتأمل والدراسة حتى يمكن فهم كيف أمكنه أن يعبر ويتجاوز ويمر من كل المطبات والفخاخ والانفجارات والأزمات التى تعصف بالمنطقة منذ عقود طويلة، وما تزال.
هذه الفكرة راودتنى كثيرا خلال زيارتى للعاصمة الأردنية عمان فى الأسبوع الماضى ضمن وفد صحفى ضم ثمانية من الكُتاب ورؤساء التحرير المصريين، التقينا خلالها مع رئيس الوزراء بشر الخصاونة ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أمين الصفدى ووزراء الداخلية والتخطيط والصحة والاقتصاد الرقمى والعمل والشئون القانونية.
طبيعة موقع الأردن تجعله أكثر تأثرا بكل الأزمات التى تعصف بالمنطقة خصوصا دول الجوار، ولذلك يحق لرئيس الوزراء القول بأننا فى الأردن نتعامل طوال الوقت على أننا فى حالة طوارئ.
وزير الدولة للإعلام فيصل الشبول ــ الذى التقيناه كثيرا خلال الزيارة ــ قال إنه مع الانفتاح السياسى الموجود فى البلاد فهناك تحصين للجيش والقضاء من الحياة الحزبية. وأن المبدأ هو أهلا وسهلا بكل قوة سياسية بشرط أن يكون ذلك فى إطار الدستور.
هو يقول إننا دخلنا المئوية الثانية للأردن التى بدأت العام الماضى بثلاثة ملفات سياسية وهى تعديلات دستورية وقانون جديد للأحزاب وآخر للانتخابات، والهدف هو تعميق الحياة الحزبية ودعمها، وأن يكون ٣٠٪ على الأقل من أعضاء مجلس النواب من الأحزاب بديلا للوضع الحالى الذى يسيطر فيه المستقلون على غالبية المقاعد، وبالتالى تكون هناك حكومات أغلبية، علما أن الأردن عانى فى فترات سابقة من بعض الحكومات المرتبطة بالخارج.
وزيرة الشئون القانونية وفاء سعيد بن مصطفى، كنت أجلس بجوارها خلال عشاء ترحيبى بالوفد الصحفى المصرى حضره وزراء أردنيون، قالت إن هناك ٤١ مقعدا فقط للأحزاب السياسية من إجمالى ١٣٠ مقعدا، وهدفنا أن تكون لدينا حكومات حزبية مسئولة. وكذلك زيادة وتنظيم الأنشطة الطلابية فى الجامعات، بعد أن كانت ممنوعة والهدف مزيد من الممارسة السياسية الشرعية، وكذلك زيادة تمكين المرأة فى العمل السياسى خصوصا أنها تمثل نسبة كبيرة من البطالة ٣٠٪، ومشاركتها فى العمل السياسى ما تزال ضعيفة، مقارنة بالعديد من الدول ومنها مصر.
يحاول الأردن أيضا فى الفترة المقبلة تعزيز دور المرأة والشباب والأحزاب وعلى حد تعبير الشبول فإننا نريد ألا تكتفى المعارضة بالانتقاد بل بتشكيل الحكومة، شرط أن تكون معارضة مدنية وطنية تؤمن بالدستور.
حسب وزير الداخلية الأردنى مازن الفراية، فلا يعانى الأردن من انتشار الخطاب المتطرف كما هو الحال فى عدد كبير من دول المنطقة، لدرجة أن بعض المحسوبين على التيار المتطرف خرجوا وأدانوا إعدام داعش للطيار الأردنى معاذ الكساسبة عام ٢٠١٥. والملاحظة المهمة أن تمثيل جماعة الإخوان انخفض إلى ٧ مقاعد من بين ١٣٠ مقعدا فى مجلس النواب، وصارت كل أنشطتهم تحت المراقبة.
الأردن استحدث الهيئة المستقلة للانتخابات عام ٢٠١٢، وزرنا مقر الهيئة وقابلنا رئيسها موسى المعايطة الذى قال إن الهيئة تشرف على كل ما يتعلق بالانتخابات النيابية والبلدية، وبدأت تضع التربية السياسية فى المناهج الدراسية، بحيث يتعلم التلاميذ والطلاب مفاهيم الحرية والديمقراطية والحوار والرأى الآخر وكذلك حق الطلاب فى العمل السياسى.
وحسب الشبول فإن كل مكونات المجتمع الأردنى ممثلة فى البرلمان مثل الشركس والشيشان والمسيحيين والمرأة والشباب.
الأردن يدرك أنه من دون استقرار سياسى بالمنطقة، فإن الجميع سيدفعون الثمن، وبالتالى فهو يسابق الزمن دائما لمواجهة الارتدادات الخاصة بأزمات المنطقة، خصوصا أن غالبية حدودها ملتهبة مع العراق وسوريا وفلسطين المحتلة.
ثم إن وجود ملايين اللاجئين من فلسطين وسوريا يفرض تحديات مختلفة على الأردن وبالتالى مزيدا من اليقظة والوعى والاستعداد طوال الوقت.
الأردن ليس لديه ترف الدخول فى صراعات كثيرة، فهو مثلا مختلف مع إسرائيل فى العديد من القضايا، ورغم ذلك يتحدث معها دائما لحل هذه الخلافات وآخرها كيفية تشغيل جسر الملك حسين.
الأردن لديه تحفظات عديدة على «اللاعبين والمتلاعبين فى الأزمة السورية»، ورغم ذلك لم يصنف هناك خصما وعدوا إلا تنظيم داعش الإرهابى.
الشبول يقول إنه طوال ٥٠ عاما والمنطقة تشهد أزمات مستمرة وتواجه ذلك والأردن بحوارات وطنية شاملة تمنع الوصول إلى مرحلة الأزمة أو الانفجار.
من خلال اللقاءات العديدة مع المسئولين الأردنيين فإنهم يؤكدون أن النظام السياسى الأردنى تمكن من تفادى الدخول فى غالبية الأزمات التى ضربت المنطقة طوال العقود الأخيرة رغم كل التحديات.