بقلم : عماد الدين حسين
صباح الأحد الماضى كنت حاضرا فى القاعة الرئيسية بفندق الماسة بالعاصمة الإدارية لحضور افتتاح المؤتمر الاقتصادى «مصر ٢٢» واستمعت باهتمام إلى كلمة الدكتور مصطفى مدبولى، ثم كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأظن أن الكلمتين مهمتان جدا لأنهما تكشفان عن الطريقة التى يفكر بها كل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية.
كلمة الدكتور مصطفى مدبولى استمرت حوالى ساعة ونصف الساعة، وهى أطول كلمة يلقيها رئيس الوزراء منذ توليه منصبه حسب اعتقادى.
لكن الملاحظة المهمة أن الكلمتين ركزتا على الماضى وما حدث فيه، دون التطرق كثيرا إلى المستقبل وماذا تنوى الحكومة أن تفعل لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وربما يكون ذلك سيتم إعلانه فى اليوم الثانى أو الثالث والأخير من المؤتمر لأن كثيرين سواء المواطنون العاديون أو الاقتصاديون والمستثمرون ورجال الأعمال ينتظرون من الحكومة الكثير من الإجراءات، سواء العاجلة التى تخص قضايا محددة آنية، أو الآجلة التى تتعلق بالرؤى والتوجهات والأفكار. رئيس الوزراء ركز أكثر على ما تحقق من إنجازات فى السنوات الماضية وكيف أن هذه الإنجازات تحققت رغم العديد من المشاكل والتحديات والأزمات التى واجهتها مصر. وكان ملفتا للنظر أنه استخدم طريقة مختلفة فى المقارنات حينما استرجع من الأرشيف ما الذى حدث فى ثلاثة مؤتمرات اقتصادية شهدتها مصر أعوام ١٩٨٢ و١٩٩٦ و٢٠١٥، ليخلص إلى أن هناك بعض المشاكل والتحديات والأزمات لاتزال مستمرة مثل الانفجار السكانى.
رئيس الوزراء حاول فى كلمته أن يخرج عن الإطار التقليدى فى الإلقاء، وقد سألته عن ذلك حينما قابلته بعد نهاية الجلسة الافتتاحية فقال لى إنه كان حريصا على مخاطبة جميع الشرائح، خصوصا المواطن العادى حتى تصل الرسالة للجميع واضحة.
كان واضحا أن رئيس الوزراء أعد لكلمته بصورة جيدة، حيث جاءت محتشدة بالبيانات والمعلومات من خلال إنفوجرافات مختلفة، حتى تصل الأفكار بسلاسة وجاذبية للمتلقى.
مدبولى قال إنه ليس مهما ما هو رقم المديونية، لكن المهم هو نسبة هذا الدين للناتج المحلى الإجمالى، والأكثر أهمية، نسبته ونسبة خدمة الدين إلى الصادرات، مدبولى قال أيضا إنه ليس مهما ما هو سعر الصرف ولكن كبح جماح التضخم، لأن ما يهم المواطن أن يشترى السلع والبضائع بأسعار معقولة وليست مرتفعة مقارنة بدخله.
مدبولى كشف أيضا عن أرقام مهمة مثل أن هناك ١٢ مليون نسمة فى المدن الجديدة، و٥٦ ألف مدرسة و٨٩ جامعة بدلا من ٤٩ بحيث إننا نقترب من الرقم العالمى، وهو جامعة لكل مليون شخص.
وما لفت نظرى فى كملة د. مدبولى قوله أن الدولة خصصت ٣٠ مليون متر مربع للقطاع الصناعى، لكن ما تم تنميته هو ٣ ملايين متر فقط أى ١٠٪، وهذا البيان يتعارض إلى حد ما مع الشكاوى المستمرة من قبل المستثمرين، وللموضوعية فإن مدبولى أضاف أيضا أن هناك عقبات مثل السماسرة الذين يستولون على الأراضى أو وجود مبالغة فى التسعير أو أن الحوافز والتسهيلات لا تصل للمستثمرين، ولذلك جرى البحث عن حلول لهذه المشاكل ومنها مثلا أن يمتلك المستثمرون الأراضى أو يأخذوها بحق الانتفاع.
بطبيعة الحال فإن الدكتور مدبولى ركز على دور الأزمات الخارجية كسبب أساسى لما يحدث فى مصر، معتبرا أن العالم لم يشهد مثل هذه الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية وأننا لسنا بمنأى عنها، بل ربما نحن الأكثر تضررا، ثم إنه عاد إلى الماضى ليشير إلى ما كان عليه الدعم قبل عقود وما وصل إليه الآن، وكيف أن سكان مصر كانوا ٤٤ مليون نسمة وقفزوا الآن فوق ١٠٤ ملايين نسمة، دون أن يزيد معدل النمو بنفس النسبة، وكيف أن فرص العمل لم تكن تزيد على ٤٠٠ ألف، والآن وصلت تقريبا إلى مليون فرصة عمل سنويا.
ويبقى لنا مناقشة أبرز ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته خصوصا النقاط الـ١٢ التى وضعها لتفسير كيف وصلنا إلى هذه النقطة، وربما الأهم كيف يمكن الخروج من كل هذه الأزمات إلى آفاق مختلفة ونختاج أيضا إلى مناقشة هل تحدثت الحكومة أطول مما ينبغى فى المؤتمر، وهل كان الأفضل أن تستمع للمستثمرين ورجال الأعمال وخبراء الاقتصاد؟!
فى كل الأحوال العبرة بالنتائج وليست التوصيات، والأهم التطبيق والتنفيذ على الأرض.