بقلم - عماد الدين حسين
لو جاز لى أن أقدم اقتراحا إلى الفريق المصرى الذى يعمل على ملف «مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغيير المناخ» أو «كوب ٢٧» فى شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل، فهو أن نبذل أكبر جهد ممكن لأن الأزمة الأوكرانية خلفت واقعا مأساويا جديدا فيما يتعلق بالتصدى للتغيرات المناخية التى تهدد العالم أجمع.
حينما انتهى مؤتمر «كوب 26» فى جلاسجو بأسكتلندا فى أكتوبر الماضى، وتم الاتفاق على أن يكون المؤتمر المقبل فى شرم الشيخ نهاية هذا العام، كانت الآمال عظيمة أن يتحول مؤتمر شرم الشيخ إلى قمة التنفيذ وليس فقط التعهدات، وينجح فيما فشلت فيه كل المؤتمرات الدولية السابقة.
نعلم أن هناك قمما عالمية كثيرة انعقدت بشأن المناخ من أول ريو دى جانيرو فى البرازيل عام ١٩٩٥، نهاية بمؤتمر باريس عام ٢٠١٥، وجميعها شهدت تعهدات كثيرة من الدول الكبرى بتخفيض نسبة الانبعاثات الكربونية الضارة، لكن ذلك لم يحدث بالصورة المطلوبة.
فى قمة باريس للمناخ عام ٢٠١٥ اتفقت دول العالم أجمع على الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يقرب من ١٫٥ درجة مئوية فوق مستويات درجات الحرارة ما قبل الثورة الصناعية عام ١٨٥٠. ولكى يتحقق هذا الهدف، فلابد أن تزيد الاستثمارات الموجهة إلى الطاقة المتجددة، لكن غالبية دول العالم غير قادرة على ضخ هذه الاستثمارات أو قادرة لكنها تتقاعس.
السؤال الذى قد يسأله كثيرون: وما هى علاقة الحرب الروسية فى أوكرانيا بالتغيرات المناخية، وما الذى يجعلها تؤثر على موتمر كوب ٢٧ فى شرم الشيخ؟.
الأمر ببساطة أن كل المؤتمرات العالمية والإقليمية المتعلقة بمواجهة التغيرات المناخية اتفقت جميعها على أن بداية العلاج تتطلب التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفورى بصفة عامة، وفى مقدمته الفحم كمدخل أساسى للتقليل من الانبعاثات الضارة التى تتسبب فى زيادة درجات حرارة كوكب الأرض، وبالتالى مزيد من الإضرار له.
ولكى يحدث ذلك، كان لابد أن تتخلى كبرى دول العالم عن طمعها وجشعها وتخصيص المزيد من الأموال للاستثمار فى الطاقة النظيفة وليست الأحفورية، وأن تفى بتقديم الـ ١٠٠ مليار دولار التى تعهدت بها لدول العالم الثالث والفقيرة خصوصا فى إفريقيا لكى تتكيف مع مواجهة التغيرات المناخية.
هذه الدول كررت نفس التعهدات فى قمة جلاسجو لكن بعضها لم يلتزم بذلك فعليا، وجرت محاولات للتنصل من هذه التعهدات بحجج مختلفة، ونعلم أن الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب انسحب من اتفاقية باريس، بل وشكك فى وجود أخطار حقيقية تهدد الكوكب، لكن الولايات المتحدة عادت مرة أخرى للاتفاقية بعد انتخاب جو بايدن فى يناير قبل الماضى.
إذن الكبار لم يلتزموا بتعهداتهم حتى قبل بدء الغزو الروسى لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير الماضى، فما الذى حدث بعد هذا التاريخ؟.
أحد أهم تداعيات الأزمة الأوكرانية أنها أدت إلى أزمة اقتصادية شاملة من بينها ارتفاع أسعار البترول بحيث إن سعر البرميل منذ بدء الغزو ظل يتراوح بين 100 و 139 دولارا، كما ارتفعت أسعار الغاز لمستويات قياسية ومعها أيضا معظم أنواع الوقود.
والنتيجة العملية أنه وبدلا من بدء التخلى عن الوقود الأحفورى، فإن عددا كبيرا من دول العالم بدأت تزيد من الاعتماد عليه، وفى يونيو الماضى حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن الاستثمار فى الفحم، وهو الوقود الأكثر تسببا فى تلوث البيئة ارتفع بنسبة ١٠٪.، بل إن الصين واصلت إنشاء محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم.
الوكالة قالت إن الاستثمارات المقرر ضخها فى قطاع الطاقة هذا العام تبلغ ٢٫٤ تريليون دولار، وتشمل انفاقا قياسيا على مصادر الطاقة المتجددة، لكنها لاتزال غير كافية لمواجهة ظاهرة تغير المناخ. ويؤكد معظم الخبراء ومنهم فاتح بيرول المدير التنفيذى لوكالة الطاقة الدولية، أن ضخ استثمارات هائلة للتحول إلى الطاقة النظيفة هو الحل المستدام الوحيد لمواجهة الظاهرة.
والسؤال المنطقى الذى يتبادر إلى ذهن كل المهتمين بظاهرة التغير المناخى هو: كيف يمكن حل هذه المعضلة، وهل هناك حلول بديلة أمام العالم وأمام منظمى مؤتمر «كوب ٢٧» للتغلب على ما سببته تداعيات الحرب الأوكرانية؟
نتمنى أن تتراجع أسعار البترول، ويتوقف العالم عن إدمان النفط، حتى يبدأ الجميع فى التخلى عن الوقود الأحفورى، وبالتالى بدء العلاج الحاسم للمشكلة.
وإلى أن يحدث ذلك فالصورة قاتمة للأسف الشديد، وعلينا فى مصر أن نبذل جهودا مضاعفة حتى تكون توصيات «كوب27» بشرم الشيخ، نقطة تحول فى هذه القضية الخطيرة.