بقلم: عماد الدين حسين
فى ضاحية هادئة شمال العاصمة الإسبانية مدريد وقرب مطار المدينة يقع مقر مركز المؤتمرات والمعارض حيث تعقد قمة حلف شمال الأطلنطى «الناتو» وهى القمة التى يعتبرها البعض تاريخية لأنها أول مواجهة شبه مباشرة بين الحلف وروسيا بعد الغزو الروسى لأوكرانيا، وما يعتبره الحلف تهديدا صينيا.
فى اليوم الذى وصلنا فيه مدريد نحن الوفد الصحفى كان الخبر السعيد أن مركز المؤتمرات الذى ستعقد فيه القمة يقع فى مواجهة الفندق مباشرة، وهو ما يعنى أننا لن نكون فى حاجة للتنقل، ثم اكتشفنا أن ذلك لم يكن صحيحا.
قابلنا المنسق الإعلامى للحلف المسئول عن متابعة الصحفيين القادمين من الشرق الأوسط. كان هناك زملاء من عدة دول عربية.
ولأن الفندق يقع بجوار قاعة المؤتمرات، فقد تم بمجرد خروجنا من الفندق اكتشفنا أنه تم إغلاق معظم الطرق المؤدية إلى قاعة المؤتمرات، ولاحقا عرفنا أنه تم إغلاق العديد من طرق العاصمة التى ستمر منها مواكب قادة الحلف. وقبل القمة بيوم، لم تكن هناك إلا سيارات الشرطة بالسارينة العالية تغلق كل الطرق، بل وتسأل أحيانا المارة عن وجهتهم.
فى صبيحة اليوم التالى استيقظنا على صوت أزيز طائرات هليكوبتر تحلق فى المكان. وحينما غادرت الفندق، كان الطائرات تملأ سماء المنطقة طوال اليوم، ولم يكن صعبا إدراك أن هناك إجراءات أمن مشددة، وقال لى أحد العاملين فى الفندق إنه لم يشهد مثل هذه الإجراءات منذ زمن بعيد.
خرجت من الفندق ومعى أحد الزملاء، وحينما ذهبت لسؤال أحد أفراد الأمن الواقفين أمام مقر قاعة المؤتمرات عن أقرب مطعم أو مركز تجارى، فوجئت بأن سيارة شرطة تأتى مسرعة للاطمئنان، والسؤال على هوية شخص ملامحه شرق أوسطية ويتواجد أمام مقر انعقاد قمة الناتو!!.
فى صباح اليوم التالى كان مطلوبا من كل الصحفيين التوجه من الفنادق المختلفة التى يقيمون فيها إلى مقر المركز الإعلامى المسئول عن إصدار تصريحات دخول الصحفيين.
المكان هو مدرسة تحمل اسم الروائى الكولومبى الأشهر وصاحب جائزة نوبل فى الأدب جابرييل جارسيا ماركيز، وأمامها تقف العديد من سيارات الشرطة ومئات من الجنود.
المدرسة تم تحويلها إلى مركز صحفى مؤقت بعيدا عن قاعة مؤتمرات القمة. النظام فى المركز كان بسيطا جدا، لكن التدقيق فى الأوراق كان شديدا.
أى شخص أوراقه سليمة لا يستغرق استخراج الكارنيه أو «بادج» الحضور ذى اللون الأصفر إلا عشر دقائق تقريبا، لكن من سوء حظ بعض الزملاء أن عملية اعتمادهم استغرقت ما بين ساعة وأربع ساعات لوجود نقص فى الأوراق أو خطأ فى البيانات.
المفاجأة الصادمة هى أنه كان مطلوبا منا أننا وفى كل مرة نريد دخول مقر القمة لحضور فعالياتها، وهى مجاورة لنا فى الفندق، ينبغى علينا أن نستقل مواصلات للذهاب إلى المركز الصحفى المؤقت الذى يمنح اعتمادات التصاريح الصحفية وهو يبعد عن الفندق ثلث ساعة، وعلينا أن نستقل سيارات خاصة تابعة للقمة، تقلنا إلى مقر مركز المؤتمرات.
وحينما سألت عن السر فى هذه «اللخبطة والشحططة»، لم أحصل على إجابة شافية لكن فهمت فى النهاية أن ذلك يقع فى إطار إجراءات الأمن المشددة، حيث إن معظم قادة الدول الأعضاء فى الحلف حاضرون، وتأمينهم مسألة أساسية فى ظل أن هناك حالة حرب معلنة بين روسيا وأوكرانيا، وفى ظل أن غالبية دول الحلف أعلنت انحيازها الواضح إلى أوكرانيا، وتزودها بمختلف أنواع الأسلحة، وبالتالى وبما أن هناك استقطابا دوليا حادا وانقسامات بشأن الأزمة، فإن التهديدات الأمنية يتم أخذها على محمل الجدية.
كان مطلوبا من الصحفيين التواجد فى مقر المركز الصحفى من السادسة صباحا، باعتبار أن القمة ستبدأ فى الثامنة.
فى الموعد المحدد ذهبنا بالفعل وعرفت هناك أن عدد الخاضرين خمسة آلاف مشارك بينهم ١٥٠٠ صحفى وإعلامى والوفد الأمريكى هو الأكبر بألف مشارك ما بين مسئولين وإداريين وإعلاميين.
هذا عن الشكل، واللحظات التى سبقت انعقاد القمة بدقائق والسؤال، ماذا عن القمة نفسها وكيف تعامل القادة مع الاعلاميين بمجرد دخولهم للجلسة الافتتاحية والاهم ماذا عن التغيرات التى ستحدث فى استراتيجية الحلف بعد الغزو الروسى لأوكرانيا؟!