بقلم:عماد الدين حسين
المؤكد أن المصريين وجهوا رسالة شديدة القسوة لجماعة الإخوان وكل من حاولوا تحريض الناس على النزول للتظاهر والاحتجاج يوم الجمعة الماضى الموافق ١١/١١/٢٠٢٢، ودلالات ودروس هذه الرسالة تحدثنا عنها هنا بالأمس.
لكن هل هناك رسالة وجهها المصريون لحكومتهم فى هذا اليوم أيضا؟!
الإجابة هى نعم، وهذه الرسالة باختصار هى أن المصريين حينما قرروا أن يظلوا فى بيوتهم وألغوا كل ارتباطاتهم ومشاغلهم، ولا ينزلون إطلاقا للشارع فى هذا اليوم إلا لصلاة الجمعة، فقد اختاروا الاستقرار بديلا للفوضى والصبر بديلا للاندفاع إلى المجهول والتحمل بديلا للثورة.
غالبية المصريين واجهوا ظروفا اقتصادية صعبة فى السنوات الأخيرة، خصوصا مع ظهور فيروس كورونا أوائل عام ٢٠٢٠، ثم تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية التى بدأت فى ٢٤ فبراير الماضى، وقبل ذلك تحملوا بشجاعة عبء ثمن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأ فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦ بتعويم ضخم للجنيه المصرى أفقده ٦٠٪ من قيمته. ومنذ مارس الماضى وحتى اليوم جرى تعويم آخر رفع قيمة الجنيه من ١٥٫٦٠ أمام الدولار إلى نحو ٢٤٫٢٠ جنيه بنسبة تزيد على ٦٠٪ أيضا.
الرئيس عبدالفتاح السيسى وكبار مسئولى الحكومة أشادوا أكثر من مرة بتحمل المصريين للظروف الصعبة فى سبيل إصلاح الاقتصاد المصرى بصورة جذرية.
جماعة الإخوان وأنصارها راهنت على أن هذه الظروف الاقتصادية شديدة الصعوبة هى بيئة مثالية للتحريض والتأليب على التظاهر والاحتجاج وصولا إلى حالة من الفوضى التى قد تخلط الأوراق وتعيدها مرة أخرى إلى المشهد السياسى الذى خرجت منه بفعل ثورة المصريين فى ٣٠ يونية ٢٠١٣.
وأغلب الظن أن الجماعة اعتبرت أنه طالما احتج المصريون على نظام حسنى مبارك فى عام ٢٥ يناير ٢٠١١، وطالما احتجوا على حكمها هى نفسها فى ٣٠ يونية ٢٠١٣، فالمنطقى أن ينزلوا ويحتجوا على النظام الحالى، لكن المصريين خيبوا ظن الجماعة تماما، ولم ينزل شخص واحد للشارع موجها ضربة للجماعة لا أظن أنها سوف تنساها لوقت طويل.
والقراءة السريعة لهذا القرار أن الشعب المصرى بفئاته المتنوعة؛ الغنى والفقير، المسلم والمسيحى، الكبير والصغير، الرجال والنساء، قد حسبوا الأمر على نحو بسيط وهو أن النزول للشارع فى هذه الظروف يعنى فوضى عارمة قد تدخل البلد بأكمله فى مجهول لا يعلمه إلا الله. وبالتالى فإنه وخلافا لتقديرات كثيرة فإن الحكمة والتروى والعقل هى التى انتصرت عند المصريين على التهور والاندفاع والتمرد والثورة.
أغلب الظن أن المصريين حينما لم ينزلوا كان فى مخيلتهم أوضاع العديد من الدول العربية الشقيقة، التى تعانى تفككا وتشرذما وانقساما وفوضى وحربا أهلية منذ عام ٢٠١١ وحتى هذه اللحظة.
المؤكد أيضا أن ظروف الكثير من المصريين شديدة الصعوبة اقتصاديا واجتماعيا، لكن قرار النزول والاحتجاج وما يتبعه من فوضى قد جعلتهم يراهنون على القليل الذى يملكونه بديلا عن الكثير الوهمى الذى زينته لهم الجماعة.
درس يوم الجمعة الماضى، يقول إن غالبية المصريين ورغم كل الصعاب الاقتصادية وارتفاع أسعار غالبية السلع وكل تكاليف المعيشة اختاروا التحمل لأن البديل قد يعنى انزلاق البلد إلى مصير مجهول وضياعه لسنوات طويلة لا قدر الله. وبالتالى فقد أرسلوا للحكومة رسالة واضحة وهى أننا نملك عقلا راجحا وننتظر منكم إصلاحا حقيقيا.
لكن الرسالة الخاطئة التى قد تصل للحكومة مما حدث يوم الجمعة ١١/١١ هى أن كل المصريين راضون ومبسوطون ويقبلون بأى شىء، وهذا أمر خاطئ كليا، وبالتالى ينبغى التفريق بين مفهومين مختلفين وهما، أن المصريين لا يثقون فى جماعة الإخوان تماما، لكنهم يريدون حياة اقتصادية واجتماعية أفضل مما هو متاح. وبالتالى أتمنى أن تلتقط الحكومة الرسالة الصحيحة وتشكر هذا الشعب على وعيه وصبره ووطنيته وقراره الحكيم، وفى نفس الوقت تعمل بكل ما تملك من جهد لكى تغير الأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة إلى الأفضل قدر الإمكان.