وداعاً قيود «كورونا» وشكراً

وداعاً قيود «كورونا» وشكراً

المغرب اليوم -

وداعاً قيود «كورونا» وشكراً

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

ليت عنوان المقال خلا من كلمة «قيود»، واكتفى بقول وداعاً للفيروس «كورونا» عموماً، وكل ما أوجد من مآسٍ، في مختلف أنحاء الأرض، بدءاً بمرض «كوفيد - 19» وما ولد من متحورات عدة. إنما ليس كل ما يتمنى المرء يدرك، كما يعرف كل امرئ خبر دروب الحياة فذاق مُر التجارب قبل أن يجني ثمر حُلوها، بعدما بذل قطرات عرق تكاد، إذ طفقت تنهمر بغزارة، تروي ظمأ مسافر يضرب بساق ذات عصب قوي، رمال الصحراء مرتحلاً ما بين مشارق المعمورة والمغارب، بحثاً عما قد يراه البعض هو المستحيل بعينه، فيما يخفق القلب بين الضلوع منه بنبض مؤمن يرى البعيد في نظر غيره، أقربَ إليه من حبل الوريد، وإذ ذاك هو الحال يغدو تحقيق كل صعب، وفق قاموسه الفريد، ممكناً إنْ توفرت الإرادة، ولا عذر، حينذاك، لمن تذرع بوعورة الطريق، يريد تسويق الكسل، أو التكاسل، كي يبرر الإخفاق. إن ذلك هو حال الذي يحاول الدفاع عما ليس يُدافع عنه بأي شكل من الأشكال.
إنما، بعيداً عن التحليق في آفاق الخيال، واقتراباً أكثر من الواقع، يمكن القول، قياساً على ما سبق، إن البشرية جمعاء، بكل جهات الكوكب، ينطبق عليها وصف ذلك المسافر منذ بدأ الصراع بينها وبين فيروس «كورونا» مذ أطل بما حمل من الرعب قبل عامين. حقاً، في أول الأمر، بدا الناس بمختلف ثقافاتهم، وتنوع عقائدهم، وقد أصابهم نوع من الهلع غير القابل لأي تراجع، أو حتى مجرد انكماش، إذ راحت وسائل الإعلام، من كل الاتجاهات، تزعق آناء الليل، وأطراف النهار، أن ذلك الوباء مختلف عن كل ما سبق من أوبئة، وأنه كابوس سوف يستحيل التعايش مع المكونات التي يتشكل منها، أو المتحورات التي يلدها. لكن ذلك التشاؤم غير المفهوم أخذ في التقهقر لصالح التفاؤل بوجود أمل في إمكانية قهر الفيروس، بدءاً بالإلحاح على التوصل إلى اللقاح الناجع، أولاً، ثم أمكن المعامل الطبية في أنحاء متفرقة من العالم أن تتوصل إلى لقاحات عدة، بل راح بعضها ينافس بعضاً في الأسواق، وهكذا أثبت الإنسان، كمخلوق وُهِب نعمة العقل والتفكير، أن في مستطاع البشر التغلب على الصعاب حتى حين تُعطى صفة المستحيل. ضمن هذا السياق، تابع البريطانيون، أول من أمس (الاثنين)، والأرجح العالم كله معهم، رئيس وزراء حكومتهم، بوريس جونسون، لحظة إطلاق إشارة البدء بتنفيذ خطة تقوم على أساس أن العيش مع فيروس «كورونا» ممكن.
وفق تلك الخطة، أمكن القول وداعاً لكل القيود التي أتت مع مجيء الفيروس، فقيدت حركة الناس، وأفسدت معظم مجالات ممارسة حياتهم بشكل معتاد. مثلاً، لم يعد من المطلوب، اعتباراً من غد (الخميس) تطبيق قانون الحجر الصحي، حتى في حال ثبوت الإصابة بالفيروس، أو مرض «كوفيد» ذاته، وسوف ينطبق إلغاء العزل هذا على كل الآتين إلى بريطانيا، للزيارة أو العمل أو الدراسة، مثلما يُمارس من قبل البريطانيين، وكل المقيمين في بريطانيا بشكل دائم. مُفرح هكذا إجراء، بالتأكيد. يمكن تخيل كم من صادح بقول وداعاً أيها القيود، وشكراً مستر جونسون. على الأرجح كثيرون. في أول صفوف الفرحين جماعات المعارضين لأي ضوابط تقيد حريات المواطنين، أي تحديداً الحركات التي تنتمي للتيار «الليبرتاري»، المولود أساساً من رحم الليبرالية كمذهب سياسي متعقل، بينما يذهب غلاة «الليبرتاريين» أبعد من احترام حرية الاختيار، إلى تبرير الفوضى ضماناً لما يعدونه حرية الفرد. أيضاً ستقف في مقدم المبتهجين بإلغاء القيود، شخصيات، أو قل «لوبيات» ضغط اقتصادي لم تتوان، منذ البدء عن التصدي لأي مزيد من إجراءات الإغلاق، تحسباً لما تخلف من انعكاسات سلبية على حركة الأسواق.
كما ترون، واضح أن التصفيق الذي يستحق أن يُستقبل به قرار رفع قيود «كورونا» البريطاني ليس آتياً في الأحوال كلها، من أطراف تتفق في كل شيء، أو حول مختلف الأمور، لا بل إن بين بعضها البعض، في أنحاء الأرض كافة، من جوانب الخلاف المنهجي ما يبرر، في نظر واضعي أفكارها، ثم أجنداتها، التصادم أحياناً حتى كسر العظم، سياسياً، بالطبع. لكن ذلك يجب ألا يحجب حق المواطن العادي بأن يفرح لاستعادة ما فقد من حريات خلال فترات الإغلاق طوال عامين لم يكونا عاديين على الإطلاق. لذا، وداعاً أيها القيود، وشكراً... إنما بلا أي قصد مُسبق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وداعاً قيود «كورونا» وشكراً وداعاً قيود «كورونا» وشكراً



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:07 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور
المغرب اليوم - الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور

GMT 05:02 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
المغرب اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 15:40 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض أسعار النفط بعد بيانات عن إنتاج الخام الأمريكي

GMT 15:58 2022 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهم اليابان تحقق مكاسب طفيفة بتأثير من مخاوف رفع الفائدة

GMT 21:29 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

الأمن المغربي يطيح بسارق وكالة بنكية في مدينة فاس

GMT 04:02 2022 الأحد ,16 كانون الثاني / يناير

الرجاء المغربي يقدم عرضا رسميا لضم اللاعب حمزة خابا

GMT 20:31 2021 الجمعة ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الإصابة تُبعد نوير عن مواجهة رومانيا في تصفيات المونديال

GMT 02:28 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 11 شخصًا إثر أعمال عنف في ساحل العاج

GMT 13:09 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الرحلات البحرية من المغرب إلى إسبانيا‬

GMT 00:29 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيقات في المغرب تكشف تورط "راق شرعي" في جريمة زاكورة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib