بكر عويضة
قبل عام من هذه الأيام، بدأ الكلام عن ظهور فيروس خطير في الصين ينتقل من الهمس، إلى صوت مسموع عبر العالم ككل. إلا أن «كورونا» لم يكن انتشر في مختلف أنحاء الكوكب، وراح يخيف البشر على النحو الحاصل الآن. أحاسيس القلق بدأت تحديداً مع إطلالة فصل ربيع 2020، عندما اتضح أن العالم يقف أمام هول وباء، لم تخطر ببال أحد، حكومات وأفراداً، الأبعاد التي سوف تطالها تأثيرات انتشاره، على الصعيد الإنساني، أولاً، وما يرتبط به، تالياً، سواء في الجانب الاقتصادي، أو الاجتماعي، وما لكل منهما من تأثير حتمي على كل ما يُفترض أنه طبيعي من علاقات تربط الأواصر بين الناس، إنْ في الجانب المُجتمعي، عموماً، أو الذاتي، خصوصاً. باختصار، وبلا تبسيط للأمر، كان ينبغي على البشرية أن تدفع غالي الثمن، قبل أن يتضح لها كم من ذراع يملك أخطبوط «كورونا» يستطيع تحريكها في كل الاتجاهات، ومثل الأخطبوط ذاته، الحيوان المائي الخطير، ذي الدم الأزرق، اتضح جلياً كم من عقل يتمتع به ذلك الفيروس، إذ طفق يخترع غير شكل له، فيفاجئ كبار علماء المعامل الطبية، وينجح في إرباك كل جبهات المقاومة التي تجتهد، عالمياً، في إيجاد اللقاح الفعال ضده. آخر المستجدات، والأرجح أنه ليس
الأخير، يتضح مما كشفت عنه صحيفة «فايننشيال تايمز»، التي سبقت غيرها من صحف لندن، والعالم، بنشرها السبت الماضي تقريراً أشار إلى أن بحثاً أجري على لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» أوضح أنه يوفر قليلاً من الحماية ضد السلالة الجنوب أفريقية من فيروس «كورونا». من ناحيتها، أكدت الشركة المطورة للقاح الأمر أول من أمس (الاثنين)، فأوضحت - وفق خبر على موقع «بي بي سي» العربي - أنها توصلت إلى هذا الاكتشاف «بعد تجارب أولية أجرتها على نحو ألفي حالة»، لكنها أضافت أنها «لم تقرر بعد بشكل حاسم ما إذا كان اللقاح يوفر، أم لا، حماية من الأعراض الشديدة التي تسببها الإصابة بالسلالة الأكثر حدة وقابلية للانتقال».
سبق اكتشاف النسخة الجنوب أفريقية من الفيروس، ظهور نسخة منه حملت اسم مقاطعة «كِنتْ» الإنجليزية، لأنها اكتُشفت فيها أولاً. العلماء من جهتهم، لا يخفون حيرتهم إزاء استمرار دهاء «كورونا» في التحوّر والانتقال من شكل إلى آخر. حذرهم الأساس، في هذا الشأن، يتمحور حول خطر إطالة أمد الوباء. في هذا الصدد، على وجه التحديد، ينسب تقرير لريتشارد غراي، مراسل «بي بي سي»، إلى رافيندا غوبتا، استشاري الأمراض المعدية بمستشفى أدينبروكس في كمبردج، بالمملكة المتحدة، وإخصائي علم الأحياء الدقيقة بجامعة كمبردج، بعدما حلل بنفسه عينات مريض مُسن كان يصارع الفيروس؛ القول إن تغييرات واضحة لوحظت على الفيروس. ويضيف: «رأينا طفرات تشير إلى أن الفيروس يُظهر علامات على التكيف، ويتجنب الأجسام المضادة المستخدمة في المعالجة ببلازما النقاهة. كانت هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها شيئاً كهذا يحدث لشخص أمامنا مباشرة».
حقاً، الأمر ليس بهيّن على الإطلاق. صحيح أن إجراءات الإغلاق الاقتصادي أدت إلى كوارث على المستويين الاجتماعي، ومن ثم النفساني، بمختلف أنحاء العالم، وأدى ذلك بدوره إلى ازدياد ضيق النفوس، وازدياد معدلات الخلاف حتى بين أفراد العائلات، لكنْ صحيح كذلك أن كل هذا الألم الناتج عن تشديد إجراءات منع العدوى ليس من مفر منه، للتوصل إلى العلاج التام. انظر ما يقوله الإخصائي رافيندا غوبتا، وفق التقرير ذاته، المُشار إليه أعلاه: «أجرينا بعض تجارب العدوى باستخدام فيروسات صناعية، وأظهرت أن طفرة حذف H69 /V70 تزيد من قدرة الفيروس على العدوى بمقدار الضعف. أردنا معرفة ما الذي يحدث في أنحاء العالم، وقد عثرنا على هذه المجموعة واسعة الانتشار من السلالات في المملكة المتحدة. وعندما نظرنا عن كثب، وجدنا أن هناك تحوراً جديداً من الفيروس تسبب في تفشي المرض بشكل كبير». هل يعني ما سبق الاستسلام لليأس؟ بالتأكيد كلا، بالجهد الدؤوب من جانب العلماء في كل أنحاء الكوكب، سوف تربح البشرية الحرب على الوباء. إنما، بلا كثير عناء، يمكن تلمس مدى الآلام التي يجب على الناس تحمّل أعبائها، وأيضاً المدى الزمني الطويل الذي عليها أن تقطعه وصولاً إلى الانتصار على كابوس فاجأ الجميع، وبلا شك أوجع الكل.