عن معجزات الخروج من فخ الوسط

عن معجزات الخروج من فخ الوسط

المغرب اليوم -

عن معجزات الخروج من فخ الوسط

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

أن يكون المرءُ منتمياً إلى الطبقة الوسطى، وعاملاً في مشروع متوسط أو مالكاً له، في إحدى الدول متوسطة الدخل، فتوقعات وقوعه في أحد فخاخ الوسط لا يمكن تجاهلها، واحتمالات خروجه منها في الأحوال الراهنة، تستدعي معجزات.

ونبدأ بحال الدول متوسطة الدخل، التي حصرها تقرير التنمية في العالم الصادر مؤخراً عن البنك الدولي في 108 من البلدان التي يتراوح متوسط الدخول فيها بين 1136 دولاراً و13845 دولاراً سنوياً. وهي تشكل مجتمعة 40 في المائة تقريباً من اقتصاد العالم وتضم 75 في المائة من سكانه، ويعيش فيها 63 في المائة ممن يعانون الفقر المدقع. وقد قامت بعض هذه الدول في السابق بنقلات نوعية في نموها الاقتصادي، رفعتها من تصنيف الدول الأفقر والأقل دخلاً إلى مصاف الدول متوسطة الدخل.

ولننظر مثلاً إلى الصين التي انتشلت، من خلال سياسات الاستثمار والنمو المطرد، مئات الملايين من أبنائها من هوة الفقر حتى احتفت بالقضاء التام على الفقر المدقع في عام 2020. ويرجع الفضل في ذلك للنهج البراغماتي الذي تبناه دينغ شياو بينغ، أكبر المصلحين الاقتصاديين إنجازاً في القرن العشرين. ففي حين انساق البعض في ربوع متفرقة من عالم الجنوب بطنطنة حول «الفقر ليس عيباً» مبررين بها أسباب التخلف الاقتصادي، وبمبادرات متهافتة لا تزيد الفقير إلا فقراً، وتشيع ثقافة معادية للكد والاجتهاد والمنافسة سعياً للربح واكتساب الثروة، انطلق بينغ بداية من عام 1978 مبشراً في مجتمع كانت تسوده أفكار مناهضة للتوجه الجديد لعقود طويلة، مؤكداً «أن تصبح ثرياً فهذا أمر رائع». وتبنت دولته التحديثات الأربع في الصناعة والزراعة والعلوم والجيش. وتم دفع الاستثمار في البشر وتعلمهم ومهاراتهم وصحتهم، وفي البنية الأساسية والتطوير العمراني، مع جذب الاستثمارات الأجنبية فتحققت معجزة اقتصادية قوامها العمل الشاق والسياسات المدروسة والمؤسسات الدؤوبة.

ويشير كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، أندرميت جيل، في تقديمه للتقرير المعنون «فخ الدول متوسطة الدخل»، إلى أن الخروج من هذا الفخ أصبح أكثر وعورة من الذي سلكته الدول التي تحقق لها الخروج من هذا الفخ في السابق. وذلك لاعتبارات ديموغرافية، وزيادة الديون وتفاقم التحديات الجيوسياسية والقيود التجارية، وعدم القدرة على زيادة النمو دون إهدار المقومات البيئية والمناخية.

يجعل هذا من اتباع نمط النمو السابق مضيعاً لفرص التنمية في المستقبل، فوفقاً لهذا النمط مع انخفاض متوسطات النمو ستحتاج الصين أكثر من 10 سنوات حتى تصل إلى ربع متوسط الدخل الأميركي، بينما ستحتاج الهند إلى 75 عاماً للوصول إلى هذا الهدف. فما استحق في السابق وصف «المعجزة»، بمعنى قريب لما يردده الأشقاء في تونس «بالخارق للعادة» عن أعمال تستحق الدهشة والإعجاب، لم يعد صالحاً وحده الآن لنقل هذه الدول إلى المرتبة الأعلى بين مرتفعي الدخل.

والدول لا تعوزها المزيد من الخطط الطموحة، فلنتذكر ما ردده الملاكم مايك تايسون «كل لديه خطة حتى تأتيه لكمة في وجهه». ولكمات العصر ومربكاته كثر بما يستوجب نهجاً مختلفاً. والأجدى، وفقاً للتقرير، أن تتبنى الدول متوسطة الدخل نهجاً ثلاثياً للاستثمار؛ الأول بزيادة الاستثمارات عموماً، والثاني بضخ التكنولوجيا الجديدة بتوطينها من خلال الاستثمار، والثالث من خلال تشجيع الاستثمار في التطوير والابتكار. ويحبذ التقرير أن تقوم الدول المنتمية للشرائح الدنيا في الدخل المتوسط بدفع عمليات ضخ التكنولوجيا محلياً مع زيادات الاستثمار، بينما يتوقع من دول الشرائح الأعلى إضافة بعدي التطوير والابتكار. ويقترح سياسات على مستوى المشروعات بترسيخ قواعد المنافسة العادلة؛ وكذلك تطوير المهارات وسياسات سوق العمل والهجرة وإثابة الجدارة والتميز. كما يولي اهتماماً مستحقاً للتعامل مع قيود الموارد، وخصوصاً الطاقة، من خلال الاستثمار في كفاءة توليد وتوزيع الطاقة وإعادة هيكلة قطاعات إنتاجها.

ولتفعيل هذا الإطار الثلاثي للاستثمار يعيد التقرير إحياء منهج الاقتصادي جوزيف شومبيتر عن «التدمير الخلاق» بما أورده في كتابه «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية». ويستلزم هذا التوازن بين ما يستحق التدمير من مشروعات سيئة، وأضيف إليها «الأفكار» أيضاً، وما يستحق الإبقاء عليه، وما يستلزم السعي لإيجاده من عدم. فالتدمير الخلاق اقتصادياً لا يكون بإهلاك ما يستحق البقاء أو ما يستأهل التطوير، فلسنا بصدد ما هو على شاكلة إعلانات السبعينات والثمانينات التليفزيونية التي كانت تنادي «انسف... تخلص من حمامك القديم!». ويستلزم هذا تفاعلاً عملياً لتحقيق التقدم الاقتصادي وتدافعاً ومنافسة بين ما هو قائم في الاقتصاد وما هو قادم إليه من مشروعات وأصحاب مهارات ومصادر للطاقة والموارد. وفي القلب من ذلك كله القضية المحورية للمنافسة العادلة واستواء الملعب لكافة اللاعبين، والتحرر من الجمود في شأن ملكية المشروعات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن معجزات الخروج من فخ الوسط عن معجزات الخروج من فخ الوسط



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 17:39 2024 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

إنستغرام تطلق تحسينات كبيرة على قنوات البث

GMT 03:53 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

فئات الرجاء البيضاوي العمرية تعيش وضعية مزرية

GMT 05:47 2019 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الملكية البرلمانية

GMT 05:37 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الفنادق في فيينا ذات القيمة الجيدة

GMT 07:40 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إلينا سانكو تفوز بلقب "ملكة جمال روسيا" لعام 2019

GMT 04:53 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

مواطن عراقي يُغرّم شرطة المرور في أربيل 30 ألف دينار

GMT 11:35 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

فنانات سرقن أزواج زميلاتهن بعد توقيعهم في "شِبال الحب"

GMT 08:41 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إليك أجمل التصاميم لطاولات غرف المعيشة

GMT 21:41 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

مهرجان وجدة للفيلم يكرم الممثلة المصرية ليلى طاهر

GMT 11:16 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

سعر الريال القطري مقابل دينار اردني الأحد

GMT 04:03 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

دونالد ترامب يُشدّد على عدالة وإنصاف القضاء الأميركي

GMT 16:19 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تطورات الحالة الصحة لـ"الزفزافي" عقب أزمة مفاجئة

GMT 12:34 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

توقيف رجل مسن وهو يغتصب طفلًا في الخلاء في أغادير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib