لن أضيع مساحة هذا المقال بتكرار البديهيات، فأكيد كلنا، وكل إنسان سويّ، نتعاطف ونحزن لمصاب الناس في غزّة، الناس العاديين، والقنابل تهطل عليهم كل وقت وحين.
لكن هذا هو المشهد الأخير، ماذا عن الحكاية من بدايتها؟
لست أعلم لماذا يتهافت بعض السعوديين وبعض العرب على إثبات أنَّهم مع القضية الفلسطينية، وأن من ينتقد «حماس» فهو خائن للقضية الفلسطينية؟
أولا «حماس» ليست هي القضية الفلسطينية، فـ«حماس» كيان حديث، تقول هي عن نفسها إنها تأسست عام 1987، ولم تسيطر على قطاع غزة إلا في عام 2007 بعد عملية انقلابها الشهير على السلطة الفلسطينية، وحوادث التقتيل لأعضاء فتح ورميهم من فوق أسطح المباني.
ثانياً إن موقف العرب، وهنا أحصر حديثي بغرض الاختصار وبغاية التذكير للغافلين، بالسعودية، موقف لا غبار عليه، وليس عليه مزيد لمزايد.
ثالثاً حين ننتقد «حماس»، فنحن ننتقد فصيلاً من فصائل جماعة الإخوان المسلمين، وهي تملك السلاح والميليشيات، وقضيتها ليست محصورة بمحاربة إسرائيل، فهي جزء عضوي من الشبكة الدولية لـ«الإخوان»، وقد وقفت ضد الأمن العربي المصري والسعودي والخليجي - أقصد أغلب الخليجي - في كل الأزمات؛ من حرب تحرير الكويت إلى نشاط «القاعدة» في السعودية، إلى موسم الربيع العربي واختراق مصر، والعمل على إسقاط الدولة السعودية، إلى حرب الحوثي المُدارة من «الحرس الثوري» وقاسم سليماني (حينها)، الذي تَعدُّه حماس بطلاً خاصاً لها.
نأتي لموضوع الموقف من فلسطين، أو القضية، وهو موقفٌ نقيٌّ ناصع البياض، قبل أن يصل السيد الخميني لحكم إيران 1979 بعقود من الزمن... منذ أيام صانع الوحدة العربية الأول، الملك عبد العزيز، ومن يقرأ التاريخ يعرف، وصولاً إلى عهود أنجاله الملوك حتى الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد.
في نوفمبر (تشرين الثاني)عام 1981 عُقدت بمدينة فاس المغربية، القمّة العربية التي شهدت إطلاق السعودية مبادرتَها الشهيرة للقضية الفلسطينية، التي عُرفت بمبادرة فاس أو مشروع «فهد»، نسبة لولي العهد السعودي حينها الأمير– الملك - فهد بن عبد العزيز.
المرتكزات نفسها التي تبني عليها السعودية اليوم سعيَها للقضية الفلسطينية، من حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كانت هي «روح» مبادرة فهد، وخلاصتها العودة لحدود 1967 وقيام دولتين: فلسطينية وإسرائيلية.
وقتها قال الملك فهد ردّاً على بعض المزايدين: «موقفنا من القضية الفلسطينية ليس جديداً، بُني على أسس وقواعد من وقت الملك عبد العزيز».
قال رفيق الحريري باللهجة المحكية عن مزايدات المزايدين وقتها: «ما نعملت بعيد عن الفلسطينيين، كانوا موافقين عليها بس لأسباب سياسية نفسهم الفلسطينيين انتقدوها».
قال غازي القصيبي، والكل يعرف حماسة غازي للقضية، عن الملك فهد: « كان يقول لي بألم: يعني أنا بلادي لم تُحتل، ليس عندي لاجئون بلادي بخير، أنا أفعل هذا كله وأستثمر جهدي الشخصي وجهد المملكة، من أجل ناس في سبيل أن أرجع لهم بلادهم، في سبيل أن أجعلهم دولة مستقلة، وفي النهاية يُهمل هذا المشروع، أو حتى يُهاجم!».
السعودية لم تتقاعس عن دورها القيادي، لكن ماذا عن دور إيران الحقيقي، واعتصار القضية في معصرة المصالح الإيرانية؟ تلك هي القضية الحقيقية... وللحديث صلة.