بقلم : مشاري الذايدي
ثمة جدل وكلام كثير حول الهويَّة السعودية، دار من قبل ويدور اليومَ في السوشيال ميديا. أقدّم الموضوع مباشرة، من نحن، وكيف نعي هويتَنا وكيف نشأت؟
لا نجد دراساتٍ وفيرةً وعميقةً حول التنظير العلمي والفكري للهوية السعودية، على نمط دراسات علماء التاريخ والاجتماع والإنسان، مثل علي الوردي وحنا بطاطو في العراق، أو كمال صليبي وسمير قصير في لبنان، وجمال حمدان في مصر، وغيرهم.
لكن دعونا نعبر بتعريفٍ وجيزٍ للأمة فهي حسب المفكر الفرنسي إرنست رينان روحٌ ومبدأٌ ذهنيٌّ، شيئان ليسا في الحقيقة إلَّا شيئاً واحداً، الأول هو امتلاك مشترك لميراث غني من التذكارات، والثاني هو الرضا الراهن والرغبة في العيش معاً.
ومن النظر للعمل، أكتفي بملامحَ حاكمةٍ رسمَها وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قائدُ الرؤية السعودية الجديدة، في بعضِ حواراته مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية في مارس 2022، بعدما تحدَّث عن التاريخ السياسي الموغلِ في القدم لمنطقة الدرعية والعارض وجذور الأسرة السعودية الذاهبة في أعماق التاريخ، قال: «تعلّمنا الكثيرَ من الدروس، وتطوّرنا، كما تطوّر النظام».
وقال، في موضع آخر من هذا اللقاء، وهو يشرح الخارطةَ التفصيليةَ الدقيقة لطبيعة «السيستم» السعودي الفريد من نوعه، وتفسير استمراريته: «عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءاً من استمرار السعودية دولة ملكية».
أما في حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع عبد الله المديفر 24 إبريل 2021، فأكّد الأمير محمد أنَّ «الهويّة السعودية قوية وتزداد قوة وتطوراً بالانفتاح، وإنَّ أصحابَ الهوية الضعيفة هم من يقلقهم الانفتاح على العالم».
في حوار الأمير محمد الذي نُشر على شاشة ومنصات «العربية» مع تركي الدخيل 25 أبريل 2016، قال الأمير إنَّ السعودية تملك 3 نقاط قوية لا ينافسنا عليها أحدٌ «عمقنا العربي والإسلامي، وقوتنا الاستثمارية، وموقعنا الجغرافي، نقاط قوة لنا». وأضاف: «لا شك أنَّ التاريخ الإسلامي هو أهم مرتكز ومنطلق لنا، لكنْ عندنا عمق تاريخي ضخم جداً، يتقاطع مع الكثير من الحضارات. التاريخ العربي آلاف السنين هو تاريخ الكلمة وتاريخ المبادئ وتاريخ القيم، وهو لا يضاهيه أي تاريخ ولا حضارة في العالم. أفضل حضارة قيم ومبادئ هي الحضارة العربية عمرها آلاف السنين». وأردف الأمير «أيضاً عندنا جزء من الحضارات الأوروبية موجودة داخل السعودية، ولها مواقع مهمة داخل السعودية، ولها مكوّن حضاري داخل السعودية، عندنا حضارات مندثرة مهمة جداً، عمرها آلاف السنين، هذا جزء من خليط الحضارات الموجود في المملكة العربية السعودية، يجب أن نستغل هذه الحضارات، ونستعملها بشكل أو بآخر».
ومما قاله الأمير محمد، في حواره مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية المذكورة آنفاً: «دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإنَّ هذا الأمر يعني أن البلد سينهار».
إذن هي هوية غنيَّة مركّبة الطبقات متعددة الشرفات غزيرة المسارات، كلها تصبُّ في حوض حضاري كبير هو: السعودية.