بقلم : مشاري الذايدي
تكملة لموضوعنا السابق عن القفزات النوعية التي حققتها المرأة السعودية، في ظل الانطلاقة الحضارية الجبَّارة التي تتحقق على مختلف الأصعدة في المملكة.
كتبت قبل جملة من السنين ورقة علمية ألقيتها في البحرين مع الراحل الكبير التنويري الكويتي د. أحمد البغدادي، بعنوان «المرأة الخليجية والخروج من مرآة الغريبة»، متتبعاً مسارات قضية المرأة بدول الخليج، وتوسعت عند الفصل السعودي. لماذا التشبيه بمرآة الغريبة؟ لن أعيد ما كتبته حينها، أذكر جديداً، حيث كتب الباحث في الأدب العربي د. فاروق مواسي: «مرآة الغريبة» - كناية عن الجلاء والوضوح. ورد التعبير أولاً في شعر ذي الرُمّة (ت 735م)، حيث يصف ناقته تفصيلاً، فلما أراد وصف خدّها قال إنه صافٍ جلي كمرآة الغريبة، وإنه أسجح أي لين سهل:
لها أذنٌ حَشْرٌ وذِفرى أسيلة
وخدٌّ كمِرآة الغريبة أسجحُ
والأذن الحَشْر: الدقيقة المحددة. والذِفْريان: عظمان في أعلى العنق، والأسيل: الناعم المستوي. أما «أسجح»، فقد ورد في (لسان العرب): «السجَح لين الخد». ثم يسأل دكتور فاروق: لماذا القول: «مرآة الغريبة»؟ لينقل لنا جواب العالم ابن بَرّي، الذي قال: «خص مرآة الغريبة، وهي التي لم تتزوج في قومها، فلا تجد في نساء ذلك الحي من تُعنى بها، وتبيّن لها ما تحتاج إلى إصلاحه من عيب ونحوه، فهي محتاجة إلى مرآتها التي ترى فيها ما ينكره فيها من رآها، فمرآتها لا تزال أبداً مجلوة». على ذلك ورد في أمثال العرب: «أنقى من مرآة الغريبة». ويستخلص مواسي أخيراً أنه من خلال هذه الكناية نستشف أن المرأة الغريبة ليست لها تلك المكانة التي تتحلَّى بها ابنة المكان بين مجتمعها النسوي، فهي لا تكاد تجد من تنصحها، ولا من تشير عليها بما يجعل لها أهمية، وحتى لا تكون عروباً تحبب زوجها لها.
إذن، فقد كانت المرأة السعودية الطموحة والطالبة للتمكين معزولة في حجرتها تناجي مرآتها، التي لا صديق لها سواها، إذ تتعاهدها بالصقل، حتى خرجت من مرآة الغريبة، إلى ميادين الحياة، متسلحة بالثقة، متوشحة بالإرادة، محتمية بمظلة الدولة وترحاب المجتمع. وأصبحت كما أشرنا تتسنم أعلى المراتب والوظائف جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل في ظل مجد يصنع على الأرض السعودية ليعمَّ الخير المنطقة بأسرها.